كنت قبل أسابيع معدودة مع ثلة من مديري التربية والتعليم في وطننا الغالي المملكة العربية السعودية في رحلة عمل لمنطقة جازان التعليمية .. وعند المساء كان هناك ضمن البرنامج المعد حفل خطابي أقامه النشاط الطلابي، وكان ضمن الفقرات الحافلة بالإبداع قصيدة شعرية للطالب خالد يحيى هادي حكمي وهي بحق قصيدة رائعة نظمها هذا الشاب الذي لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره .. نظمها بمشاعره وشعوره قبل أن ينسج أبياتها موزونة مقفاة على أبحر الخليل .. وألقاها أمام الجمع بحسن صوته الندي وجودة لغته فبهر الجميع وأفرحنا نحن التربويين ولم نجد بداً من أن نطلب منه مرة تلو الأخرى أن يعيد هذا البيت أو ذاك ثم نلح على الإخوة المنظمين بوجوب تصويرها لنأخذها معنا حين نعود .. وما أن حدثت أحداث الرياض الأخيرة مساء الأربعاء 17- 11-1425هـ وعلى وجه الخصوص التفجير الذي أُريد به إلحاق الأذى برمز السيادة وعنوان الأمن في بلادنا (وزارة الداخلية) وعلى يد من وُلد ونشأ وترعرع على ثرى أديم هذه الأرض الطاهرة .. على يد إرهابيين متطرفين اتخذوا العنف سبيلاً .. والإصلاح زعموا ووالله ما عملوا إلاّ من أجل الفتة )وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ( ولو سألت كل عاقل لبيب عن مثل هذا الحدث لكان الرد منه سريعاً بأن هذا الفعل الشنيع لم يكن متصوراً أبداً بل ربما قال لم يكن ولا حتى في الخيال .. وما أرادوا إلاّ أن يسلبوا منا أعظم نعمة بعد الدين ألا وهي نعمة الأمن التي لا وجود لها إلاّ في هذا البلد بفضل الله ثم بحسن سياسة ولاة أمرنا – رعاهم الله -.. لقد ذهبت إلى مكتبتي وأنا مكدور الذهن حزين الفؤاد على ما جرى .. حاولت أن أُلمم مشاعري .. أن أسجل في أوراقي ماذا سيقول التاريخ عن هؤلاء الجاحدين .. ما هو الدفاع الحقيقي وراء هؤلاء الإرهابيين الذين تجاوزا كل الأعراف وداسوا على جميع القيم ونالوا من ذواتنا ومؤسساتنا وشموخنا .. ولكن لن يستطيعوا أن يفتوا في عضد رجال الأمن الأوفياء البواسل أو يخدعوا بشعاراتهم أبناءنا المدركين لبواطن زيفهم وخديع بريقهم .. وستبقى بإذن الله ذواتنا ومؤسساتنا وولاؤنا ولحمتنا وكلمتنا وهدينا منبثقة من كتاب ربنا وسنّة نبينا، مجتمعين على ولاة أمرنا حفظهم الله وساعين إلى الرقي والبناء الحضاري دوماً إن شاء الله .. وقد وجدت خير معبِّر عن المشاعر نحو هذا الوطن المعطاء بلغة الوفاء هذه الأبيات التي قالها أحد أبنائنا الطالب في هذا الوطن الغالي وهو من أشرت إليه سلفاً (خالد يحيى هادي حكمي) من جازان: لولاك ما ذوبت قلبي في الهوى ولصرت أهزأ بالولوع وبالجوى أنا منك هذي مهجتي قلبي دمي كل على خيرات غيرك ما استوى أنا يا خلاص الشهد قطرة شهدكم وإذا انتميت فتحت أمرك واللوا أنا إن ظمئت فأنت وردي أو أجع فمسد جوعي أو أمت فيك الثوا أنا إن جرتك لحظة حكم النوى بالموت لي وأنا الذي ألف النوى أفكنت تدري أن أعظم نعمة أسديتها إن كان مغناك الإوا أنا إن أذبت هموم دهرك كلها ولويت في إرضاك ما لا يُلتوى وأقمت في دنياك مرتع جنة للحسن تهزأ بالجمال وما حوى ونذرت عمري في رضاك وأسلمت نفسي لك الدنيا وقلبي ما احتوى ثم انثنيت ولو لأدنى لحظة متغافلاً والقلب مني قد غوى لأقامني التاريخ أكبر جاحد ولصرت أحقر من هباءات الهوا أنت الذي والى النبي محمداً وعلى ثراك مشى وحدث وارتوى سخرت ساحك صهوة لجياده وأبيت نصرة غادر لما ارعوى فأثابك الرحمن خير مثوبة فعلى خوانك عرش مأمنه أوى ماذا أحدث فيك آيات الدنا عجزت عن الإفصاح ألسن من نوى أيزول من رفع اسم خالقه على هام الشموخ فحقه أن يعلوَ يا موطني ورؤى الحضارة تجتلي ولفرط زهوك كدت ألا تزهوَ حزت المناقب مذ علمت رتاجها وأمام عزك هام عزتها هوى ووهبت للعلياء وافر حظها وأنلتها مَن تحت رايتك انضوى بلدي نجي الخلد تسكاب المنى مستجمع اللذات مستجلى الهوى هذي خيول المجد دونك فانطلق صهواتها خلقت لمجدك لا سوى حمم الردى ولت وقوض ليلها وبك الردى أغفى وعنك قد انزوى
ـــــــــــــــ
بقلم الدكتور عثمان بن صالح العامر
المصدر : جريدة الجزيرة 11785العدد الأثنين 22 ,ذو القعدة