تحركت جوانح الوطن وجنباته عندما تعرض جزء مهم من أجزائه وهو منطقة جازان إلى بعض الأضرار من جراء السيول وتداعياتها المؤثرة.. وهذا التحرك ليس غريباً ولم يكن مفاجئاً لأن سمة الشعب السعودي وقياداته ومؤسساته التلاحم والتكاتف، ومنطقة جازان تنبض بالحياة والتاريخ ولها موقعها الخاص الذي يجعلها تأخذ حيزاً خاصاً في ذاكرة الوطن واهتماماته.. ويقف الواحد منا وهو يطالع صورة في إحدى الصحف لسيارات أمانة مدينة الرياض الخاصة بالرش وهي تصل إلى جازان لتشارك مع بقية السيارات الأخرى وتؤدي الواجب الوطني دون حدود داخلية إدارية، يقف شامخاً وفخوراً أمام هذا التلاحم الحقيقي الذي لا حدود له.. وفي محطة الوقوف الجميلة هذه يستحضر الإنسان صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض وسمو نائبه صاحب السمو الملكي الأمير سطام بن عبدالعزيز وهما يعلنان الوقوف إلى جانب منطقة مهمة في الجسد السعودي الواحد لترجمة المشاعر الوطنية والتعاون المخلص. وفي خضم مشاعر التلاحم مع منطقتنا الغالية، جازان، نجد أن صور التكاتف والوطنية تزداد لتضيف لبنات جديدة إلى نجدة الوطن لهذا الجزء المهم من جسمه الواحد.. فلقد تحركت العديد من المؤسسات الخيرية لتبذل العون من خلال إمكاناتها، كما تحرك أهل الخير الذين لم يعلن الكثير منهم عن مواقفهم وقدموا ما يستطيعون لإنقاذ إخوانهم تلبية لمبادئ الإسلام والوطن. وكأني بمنطقة جازان في محنتها هذه تعلن عن تجديد صفحة الإغاثة المحلية والعون المحلي التي كانت مفتوحة ولكنها عانت من بعض الغياب لفترة من الزمن.. وكأني بمنطقة جازان أيضاً تقوم بتحريك مؤسساتنا المحلية المتخصصة في المساندة الخيرية لتتجه إلى وضع استراتيجيات لخدمة الداخل بالتوازي مع خدمة الخارج. وهنا لا أدعو إلى ما دعا إليه البعض من المطالبة بالاتجاه إلى الداخل والتخلي عن الخارج لأننا في الأمة الإسلامية جسد واحد في الداخل والخارج.. ولكنني أدعو إلى تحقيق التوازن ومضاعفة الجهد في الداخل وتحري الدقة في العمل الخارجي.. والمملكة العربية السعودية تختلف عن بقية الدول الأخرى في كونها في قلب كل مسلم ويتوقع منها الكثير لعون المسلمين ولن تتوقف بإذن الله عن أداء هذا الواجب الإسلامي.. ولعلنا نشهد اليوم إعادة جادة لتأسيس العمل الخيري السعودي ليشمل احتياجات أبناء الوطن ولا ينسى احتياجات ابناء المسلمين وفق استراتيجية دقيقة واتخاذ الوسائل المنتظمة والملتزمة بالأسس القانونية التي تحترم مواثيق الدول من جهة وتحقق أهدافها الخيرية الحقيقية البعيدة عن المجاملة والطيبة الزائدة وحسن النية المفرطة من جهة أخرى!! ولقد أسعدني ذلك الموقف العاجل لصاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالعزيز، وزير الشؤون البلدية والقروية، وهو يصل إلى منطقة جازان ليطلع بنفسه على الأوضاع ويتحدث مباشرة مع إخوانه المواطنين المتضررين وينقل لهم نبض القيادة وموقفها الوطني معهم.. توقفت عند هذه الصورة الممتلئة بالوطنية المخلصة التي رسمها موقف صاحب السمو الملكي الأمير متعب الرائع وغير المفاجئ، وساقني ذلك إلى التفكير في أهمية مثل هذه الزيارة وذلك الموقف وأثره العظيم في اتخاذ القرار المبني على المعاينة المباشرة.. إن تلك الصورة هي نبض المسؤول الوطني الذي يشعر أن عليه مسؤولية الوقوف الوطني إلى جانب المواطن في الشدة والرخاء وأن يتلمس احتياجاتهم بدلاً من إيكال الأمر إلى أشخاص آخرين. وفي الوقت ذاته نجد أن الصحافة تعلن لنا عن عمل خيري نبيل آخر لسمو الأمير متعب ينبض حباً لهذا الوطن وشعبه الكريم تمثل في مشروع السقاية في تربة والخرمة بعد أن تعرض أهاليها لمشكلة قلة المياه العذبة.. وهذا الموقف العظيم استهدف عملاً مهماً يخدم الجميع ويقع في قائمة الضروريات الأساسية للحياة.. وهذا بلاشك من الأعمال المهمة التي تراعي احتياج الناس وتؤسس لحل طويل الأجل بإذن الله تعالى.. وعندما تتحقق الكثير من هذه الأعمال داخل البلاد سوف يتم تلافي الكثير من المشكلات التي تواجه بعض المناطق سواء في موضوع جلب المياه العذبة أو حفر الآبار في مواقع صعبة وغير ذلك. ويقع هذا العمل الخيري وغيره من الأعمال الخيرية والإنسانية الأخرى في إطار الكثير من المبادرات الخيرية العظيمة التي تتوجها جهود خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز – يحفظه الله – رائد العمل الإنساني في أنحاء المملكة العربية السعودية وفي شتى المجالات والاحتياجات وكذلك في أنحاء العالم العربي والإسلامي والدول الصديقة، وجهود سمو ولي العهد وسمو النائب الثاني – يحفظهم الله – وعدد من أصحاب السمو الأمراء ورجال الأعمال وأهل الخير من رجال ونساء.. وهذه المواقف هي نتاج ذلك النسيج الوطني الكبير والصلب الذي يلف هذه البلاد وقيادتها وشعبها والمبادئ العظيمة التي يقوم عليها. والأمل هو أن يصبح هذا العمل الخيري مرتبطاً بإطار تنسيقي منظم يكفل انتشاره في انحاء المملكة دون استثناء مع تحقيق التوازن والأولوية في الاحتياجات الملحة.. والأمل أيضاً أن تنطلق فرق سعودية من الشباب المتخصص لتلمس احتياجات الناس في واقعهم والتخلص من الادعاءات التي يقوم بها البعض ليفوز بمغنم مادي ويحوز على الدعم رغم عدم حاجته.. والقصص في هذا الجانب كثيرة وينبغي التخلص من هذه الظاهرة التي تعرقل حصول المحتاجين جداً إلى المساعدة الحقيقية. كما ان الحضور الحقيقي لأي مسؤول لمعالجة مشكلة أو تلافي حدوث مشكلة هو في الواقع مسؤولية وطنية يشكر من يقوم بها ويتابعها وسوف تكون نتائجها كبيرة من النواحي المعنوية والنفسية والمادية.. وهذا ما تجسد في زيارة سمو الأمير متعب وعدد من الوزراء والمسؤولين إلى منطقة جازان حيث انتقل العمل إلى الميدان وأصبحت المسؤولية أمام الجميع واضحة.. وهذا التلاحم بين المسؤول وأجزاء الوطن هو ما تعبر عنه الوطنية الحقيقية لاسيما أن وطننا بلد مسلم يقوم على ركائز الإسلام الأساسية. والله الموفق..
ـــــــــــــــــــــــ
المصدر : جريدة الرياض