مع بشائر طلائع شهر رمضان المبارك من كل عام، تتحول المنازل الجازانية إلى ما يشبه المتاحف الفخارية والحجرية، فتتناثر في جنباتها وعلى أرففها الكثير من أواني الفخار والحجر الأصيلة التي يصنعها كبار السن، لاستعمالها في إعداد الأكلات الشعبية التي تعد من أهم الموروثات التي تحرص عليها سيدات المنطقة ولا يتخلين عن تكرارها كل عام، استمتاعاً بحضور الماضي ورائحة مأكولاته واستحضاراً لعادات وتقاليد الأجيال السابقة.
وتنتعش تجارة صناعة أواني الفخار والحجر العتيقة خلال هذه الفترة من كل عام، إذ ترتاد الأسر تجارها لاقتناء ما يلزمها من أطقم تستخدم في الطهي والتقديم، فيما تتفاوت أسعارها على حسب الحجم والجودة بدءاً من 50 ريالا ووصولاً إلى ألف ريال للإناء الواحد.
وتتنوع أشكال وأحجام الأواني الفخارية والحجرية في منطقة جازان، باعتبارها من أهم الصناعات اليدوية التقليدية التي كان يمارسها الجازانيون وما زالوا، ويشكلونها من الماء والطين وتترك لتجف وتتماسك ثم تحرق في مواقع خاصة، ومن ثم تنقش عليها الزخارف والألوان، لتضفي عليها جمالاً وبهاء.
ومن أبرز الأواني الطينية التي يقتنيها أهالي المنطقة، الجرة التي تستخدم لحفظ الماء، و”المشهف” الذي يستخدم لتحميص البن والقشر، و”المركب” الذي يعتبر موقداً، ومثله التنور الطيني الذي يستخدم لطهي اللحم والمندي والحنيذ، بينما لا يستغني الجازانيون في رمضان عن “الفنجال الطيني” على سفرة رمضان لتناول القهوة العربية من إناء خاص يسمى “الجبنة” لحفظ حرارتها مدة طويلة ومنحها نكة مميزة، إمعاناً في رغبة الشعور برائحة الماضي، وحفظ إرثهم الثقافي.وتؤكد الشابة ريناد أحمد ل “الرياض” أن التطورات الهائلة في عالم اليوم وتقنياته الحديثة، لم تقلل من حرص اسرتها على اقتناء الأواني الطينية والحجرية على المائدة الرمضانية خصوصاً، معتبرة أنها تضفي رونقا خاصاً على سفرة الإفطار خلال الشهر الكريم.
أما الأواني الحجرية، فتُنحت من أشكال وأنواع عدة من الصخور، ويتفنن صناعها بعد اختيار الحجر الذين يرونه مناسباً في نحته ونقشه على شكل آنية مختلفة الأحجام والأغراض، قوامها صخور كالجرانيت والبازلت والرخام والمرمر والأحجار الجيرية والصابونية.
ولكل نوع من الصخور طريقته الخاصة في النحت، ووسيلته المميزة التي يستخدم لها، فالجرانيت على سبيل المثال يستخدم للطواحين كالرحى والمطحنة وغيرها مما يحتاج قوة وصلابة أثناء الاستخدام، إلا أنها غالباً بمراحل الصنع نفسها، التي تبدأ باختيار الخام، قطع النواة، التشذيب الأولي، صقل الإناء، وهي أهم المراحل، إذ يبرز فيها فن النحات وخبرته وذوقه الرفيع في صناعة الأواني، قبل أن تأتي مرحلة الزخرفة التي لا يعتبرها النحاتون ضرورة إلا لابراز الجمال واستعراض المهارة، أو وضع علامة تدل على المحل أو الصانع، ومن ثم تبدأ مرحلة الطلاء، فلا تكتمل صناعة الإناء بعد أن يطلى بالسمن أو الزيت من الداخل والخارج، واحياناً يغلي اللبن مع السمن، وقد تُترك قطع من الشحم داخل الإناء ويوضع على النار حتى تذوب تلك القطع فيدهن بها من الخارج لاكساب سواده لمعة خاصة.
ويؤكد أحد أهالي المنطقة محمد حكمي أن تلك الأواني جميلة وتحمل في طياتها رائحة البساطة وعبق الماضي، إلا أنه يشكو من غلائها مثل كل شيء آخر، ويقول: “اسعارها تجاوزت مئات الريالات، إلا أننا نحرص مع ذلك على اقتنائها، فهي تُشعرنا برائحة رمضان القديمة التي عاشها أجدادنا”.
جازان -رؤى مصطفى