شرقاً .. وإلى الشمال الشرقي تحتضن مرتفعات ” بلغازي ” أو ” بني الغازي ” تاريخاً للأرض والإنسان . وتُخبئ سيرة قممٍ من البشر اعتلت قممَ الجبال فتوحدت معها لتثبت للزائر أن الرجال والجبال صنوان .. جبال في علو القمم ورجال في علو الهمم .
ليس من سمع كمن رأى .. مقولة تتأكد لك حينما تُمنح فرصة زيارة تلك الأماكن الجميلة و تشرع في دخول حدود بلغازي الشرقية ، ذلك القطاع الذي يحتل مساحة كبيرة من منطقة جازان والذي يبعد عن مركز المنطقة ( جازان ) قرابة الخمسة والستين كيلو متراً شرقاً ( بين خطي طول 52،49 و 43،07 شرقاً وبين دائرتي عرض 17،07 و 17،26 شمالاً )[1] ، و يمتد من حدود محافظة الداير بني مالك باتجاه الشرق وتنتهي إلى حدود ( بني حريص الحشر وهروب ) شمالاً لتُحاد تهامة من جهة الغرب ممثلة في قرى الحسيني والنجوع ، وصبيا وهروب ، وجنوباً العارضة وأبو عريش .
يعد قطاع بلغازي جزءا من جبال السروات الجنوبية الغربية والتي تتميز خصائصها الجغرافية بوجود عدة جبال تفصل فيما بينها أودية عميقة بالإضافة إلى التلال المنبسطة التي تقطعها جملة من الأودية الشهيرة على مستوى المنطقة والتي تسقي مئات الهكتارات من الأراضي الزراعية على امتداد تلك الأودية المنتهية إلى البحر غرباً .
هذا التنوع في التضاريس أفرز تنوعاً في الغطاء النباتي والذي بدوره أكسب المنطقة أهمية كبيرة بالنسبة لعدد من المهن والحرف كالزراعة والرعي كما منحت مناظرها الخلابة وحياتها الفطرية المتنوعة القطاع أهمية سياحية كبيرة وإن لم تطلها يد المستثمرين حتى الآن إلا أنها تبشر بغد واعد ، ومستقبل سياحي مهم ستتكشف عنه الأيام . وما يمتعك حين زيارة مرتفعات بلغازي هي تلك المدرجات الزراعية الجميلة التي خصصها أصحابها لزراعة أنواع معينة من المحاصيل كالذرة والدخن وغيرها كالموز والعنبرود ( الباباي ) .
يتكون قطاع بلغازي في مجمله من عدة مناطق وقرى منها المراكز الحضرية ومنها القرى الصغيرة والهجر المتفرقة وسآتي على تبيين المواقع المهمة منها والتي تشكل مراكز القطاع الرئيسية .
حينما بدأت في الكتابة عن ” بلغازي ” وضعت في الحسبان أهمية المراجع ، حتى تتصف هذه الوريقات بالمصداقية ، وحتى يمكن الركون إلى معلوماتها ، وكي أكون منصفاً لأهلها وأرضها ، أيضاً حتى لا أكرر شيئا سبقني إليه أحد ممن ألف عنها ، مع العلم أني لا أضع هذه الأسطر في مرتبة البحث بل هي رسم لخط رحلة منحت فرصة الاستمتاع بها ، فأحببت أن أدون ما أبهجني وأن أبين للقارئ أن أشياء جميلة تنتظره فيما لو اتجه شرقاً .
في نفس اللحظة كنت على ثقة أن أحداً لم يكتب عن ” بلغازي ” بشكل منصف ، لم يكتب أحداً عن جمال أرضها ، ولا جمال أهلها وكرمهم وسعة صدورهم وكيف اتحد جمال الطبيعة مع جمال أرواح ساكنيها لترتسم حقيقة أجمل هي أن الله أحسن الخالقين .
شعرت حينها بتقزّم أمام كل تلك العطاءات ، وشاركني نفس الإحساس صديقي أبو عمر يحيى بن علي الغزواني وأبو عبد الله يحيى بن حسن الغزواني حينما عبرت لهما عن تقصيرنا تجاه كل هذا التاريخ والجمال الذي تكتنزه المنطقة ، وعن ذلك الإرث الذي لم يتلقفه أحد ليثبت شياً منه للتاريخ كي تجد الأجيال القادمة منه شيئا يحفظ لهم رائحة الأمس ، ويستعرض لهم المنجزات وكيف أن ابن هذه الصعاب قهر المستحيل ، وسطر حكايات تعد مفخرة لكل الأجيال من بعده ، ليكملوا مسيرة العطاء ، وينشأ جيل متصل بماضيه الحقيقي لا ماضي مشوه ومشوش !
قلة المراجع ..
المهتم بتاريخ المنطقة يعرف كم هي قليلة تلك المراجع التي يمكن أن تفيد الباحث ، إذ أنه حتى الآن لا توجد مراجع متنوعة لمؤلفين مختلفين سوى ما سطره الأستاذ محمد بن أحمد العقيلي فيما ألفه من كتب تاريخية والتي تعد هي الأوحد حتى الآن كمرجع موثق عن تاريخ المنطقة ، وإن اجتهد بعض الباحثين من أبناء المنطقة في تدوين التاريخ إلا أنها محاولات لا ترق إلى مصاف البحوث العلمية الحقيقية .
لم يستفض الأستاذ محمد العقيلي رحمه الله فيما ألفه من كتب عن المنطقة عن قطاع بلغازي بالشكل الذي يمكن الركون إلى معلوماتها لقلتها من ناحية ولاعتمادها بشكل تام على السماع من كبار السن فقط ، بل أشار ببعض سطور بسيطة عن بعض قرى وهجر القطاع ، أيضاً وقع تحت يدي كتابٌ ألفه الشيخ أحمد بن يحيى المعلمي الغزواني حديث الطبعة تحدث فيه المؤلف عن القطاع وإن كان قد غلب على أسلوبه الإنشاء وبعاطفة تخلو أحياناً من قواعد البحث العملي وقد اكتفى ببعض المراجع الموثقة في فصول تحدثت عن جوانب لا تخدم ورقتي هذه غير أني وجدت فيه ما لم أجده فيما كتبه الأستاذ محمد بن أحمد العقيلي رحمه الله وقد بحثت فيما كتبه الأستاذ فلم أجدى سوى بعض تعريفات لبعض قرى وقليل من أودية مهمة تسقي المناطق المنبسطة أسفل حدود القطاع القبلية . ولأن المراجع نادرة وقد تكون معدومة لبعض النواحي من منطقة جازن فقد اعتمد على السماع والحكاية من كبار السن ومن حفظ شيئا من تاريخ المكان والإنسان هنا .
سبب التسمية :
اختلف في سبب تسميه القطاع بهذا الاسم وقد وجدت أن الغالبية متفقة على سبب واحد ذكره لي أكثر من شخص وقد تعرض لسبب التسمية الشيخ ” احمد بن يحيى الغزواني ” في كتابه ” واحة القمر ” حيث قال :
( … وأما تسميتها بني الغازي ( بلغازي ) يذكر كبار السن في بني غازي ( بلغازي ) يذكرون عن آبائهم وأجدادهم أن مؤسس هذه القبائل اسمه ( غازي ) وقد يكون جدها الأقرب ، وقد يكون أول من تسمى بهذا الاسم ( غازي ) [2] ، ورواية أخرى – وهي ما أجمع عليه الغالبية ممن تحدث معي – هي أن هذه القبائل كانت في العصور الجاهلية كثيرة الغزوات والغزو ) [3] .
اعتلينا قمة جبل أطل على بيوتات ( ريع مصيدة ) المترامية .. تلك القرية الناهضة التي تحتضنها المرتفعات من كل جانب ويشق صدرها وادي مصيدة ، والتي بدت من أعلى الجبل كحبات لؤلؤ انتثرت على بساط أخضر شقت تلك الخضرة التفافات الطريق المعبد الذي يمخر المنطقة جهة الشمال ليضرب قلب جبال الحشر التي لا تقل روعة عن تلك المنطقة التي ارتحلنا إليها .
كان على الجانب الآخر من المنظر جهة الغرب يقف جبل صماد وقد بدت كتائب السحاب تتوافد على قمته وكانها تعد العدة لإقامة عرس تحضره الأطيار وتهتز له الأرض اخضرارا لتلهج بعدها حناجر العباد بالشكر لمجري السحاب سبحانه الذي منحهم القوة لاعتلاء تلك القمم وتطويعها لتصبح جنات تعزز إيمان الزائرين ، وتمنحهم فرصة الاستمتاع بكل جميل حط رحاله هناك .
فمحافظة “العيدابي ” تعد حاضرة هذا القطاع المتُسع وقد ذكرها العقيلي في كتابة ( المعجم الجغرافي لمنطقة جازان ) في باب ( العين ) حيث قال : العيدابي : بفتح العين وسكون الياء المثناة والتحتية ثم دال مهملة مفتوحة فألف يليها باء موحدة وآخرها ياء النسبة : قرية قريبة من طريق عيبان صبيا ، من قرى بني الغازي[4] .
وما ذكره العقيلي عن العيدابي بأنها قرية على اعتبار ذلك الحين حينما ألف الكاتب رحمه الله تعالى مؤلفه المذكور ، وأما الآن فتعد محافظة متكاملة بطرز معمارية حديثة وخدمات متكاملة أهلتها لتكون حاضرة القطاع . ، لتضم أيضاً في حدودها القبلية عدداً كبيراً من القرى تفاوتت في مساحاتها ومستواها الحضاري والثقافي وهذا ما حدا بالعديد من سكان المرتفعات إلى النزول للعيش فيها ممن صعبت عليهم المعيشة في قمم الجبال لبعدهم عن الخدمات الضرورية ، ولتحسن مستواهم المعيشي من الناحية المادية .
ومحافظة العيدابي هي أهم المناطق في هذا القطاع لما تحتله من موقع سهل وصول الخدمات الضرورية إليها وقد اتخذ ت مركزا للمحافظة وافتتح فيها مركزاً إدارياً في عام 1423هـ لتتأكد صدارتها على بقية المدن في ذلك القطاع .
تضم محافظة العيدابي مدرستين للبنين تشمل المراحل التعليمية الثلاث ( الابتدائية والمتوسطة والثانوية ) بمبان حكومية جديدة متطورة تم تأمين كل المستلزمات التعليمية والتربوية بها بالإضافة إلى ابتدائية للبنات ومتوسطة وثانوية وبإمكانات متقدمة أيضاً ، لكنها ما زالت تفتقر إلى مستشفى حكومي يقدم خدماته الصحية للأهالي ، إذ لا تلبي المستوصفات الخاصة هناك احتياجات ، أيضاً ما زالت تفتقر إلى الخدمات الهاتفية وما زالت تعتمد على خدمة الجوال التي تشكل عبئا على كاهل المواطنين .
أما ” عيبان ” والتي تأتي بعد محافظة العيدابي من حيث مستوى الخدمات الأساسية والكثافة السكانية فتعد مجمعاً سكانيا بدأ ينمو بشكل كبير في السنوات الأخيرة لما تم تأمينه له من الخدمات كالمباني المدرسية الحديثة ومستوصف يقدم خدماته الصيحة بإمكانيات توفر الحد المعقول من الخدمات أيضاً تم تعبيد أهم الطرق في هذه المدينة والتي بدأ تشق طريقها نحو مصاف المحافظات المتقدمة .
ثم تأت ” ريع مصيدة ” في المرتبة الثالثة كأهم منطقة تابعة لقطاع بلغازي ، من حيث الموقع وعدد السكان ومستوى الخدمات لتكون تلك المناطق الثلاث أهم المناطق التي يمكن أن تكون مجمعات سكنية حديثة مستقبلاً يمكن بقية السكان القاطنين قمم الجبال من النزوح إليها .
جاء في لسان العرب في معنى كلمة ( ريع ) :
والرِّيعُ: السَّبيل، سُلِكَ أَو لم يُسْلَك؛ قال: كظهْرِ التُّرْسِ ليس بِهِنَّ رِيعُ والرِّيعُ والرَّيْع: الطريق المُنْفَرِج عن الجبل؛ عن الزَّجاج، وفي الصحاح: الطريق ولم يقيد؛ ومنه قول المُسيَّب بن عَلَس:
في الآلِ يَخْفِضُها ويَرْفَعُها رِيعٌ يَلُوح، كأَنه سَحْلُ
شبَّه الطريق بثوب أَبيض. وقوله تعالى: أَتَبْنُون بكل رِيعٍ آية، وقرئ: بكل رَيْع؛ قيل في تفسيره: بكل مكان مرتفع. قال الأَزهري: ومن ذلك كم رَيْعُ أَرضك أَي كم ارتفاع أَرضك؛ وقيل: معناه بكل فج، والفَجُّ الطَّريق المُنْفَرِج في الجبال خاصَّة، وقيل: بكل طريق [5] .
وهي كذلك كالسبيل المتسع بين جبلين فمن الشمال جبال الحشر ومن الجنوب والشرق قد احتضنتها جبال بني مالك وقمم أخرى
و “ريع مصيدة “هي التي قال عنها العقيلي معرفاً لها في كتابه ( جغرافية منطقة جازان ) في صفحة رقم ( 234 ) ( ريع : وبعضهم يسميه ( رياع ) : واد صغير ينزل من أحد جوانب جبل مصيدة وهو من روافد وادي جورا .[6]
وتقع المباني الحديثة على ضفاف هذا الوادي الذي يشقها غرباً ليصب في وادي جورا الكبير وهي تبعد عن ” عيبان بحوالي ( ) كيلو متر على الشمال من محافظة الداير بني مالك وتحتضنها مرتفعات بلغازي الشرقية والشمالية والغربية ، يشقها وادي ( ريع ) الهابط من مرتفعات ( مصيدة ) العليا وهي الآن تعد مركزاً حضرياً لبقية القرى المعتلية قمم الجبال في تلك الناحية ، وقد بدأت الحركة العمرانية بالنهوض فيها إذ لجأ إليها عدد كبير من سكان القرى البعيدة عن الخدمات خصوصاً أنه اتجه غالبية الأهالي إلى الوظائف الحكومية تاركين الزراعة لكبار السن ومن لم يترك مدرجاته من الأهالي في بعض النواحي من القطاع .
تم تأمين الخدمات الأساسية لريع مصيدة كشبكة الكهرباء والمياه ولا تنقصها إلا الخدمة الهاتفية وتحسين بعض شبكات الطرق .
تتوالى بعد محافظة العيدابي وعيبان وريع مصيدة بقية القرى والهجر التي توزعت على قمم بعض الجبال في القطاع واختلف في القرب والبعد عن مركز القطاع ولعل من أهم هذه القرى والهجر ” مصيدة العليا” ” و ( جبل صُماد ، وعكوة مصيدة ، وطيَّــة ) وبما أن القطاع جبلي يشترك في سلسلة جبال شاهقة مع المحافظات القريبة فمن الطبيعي أن تشقه الأودية أوردة الحياة بالنسبة للأهالي هناك ، لنجد مجموعة من الأودية الكبيرة والمشهورة والتي تسقي أهل القطاع ويمتد خيرها إلى سهول تهامة إلى أن يبتلع خيره البحر . ومن الأودية الشهيرة ” وادي قصي ” ، و” وادي جورا” وهما الأكبر في القطاع ، أيضاً نجد “وادي الصدر” ولهذا الوادي تاريخ وقصص مثيرة سآتي على ذكر ها لاحقاً .
من الأودية المهمة أيضاً ” وادي جِبْحَة ” ، و” وادي سَـالة ” ، و” وادي كَدَا” ، وبالطبع هناك أودية وشعاب تشارك تلك الأودية الكبيرة مهمة إسعاد الأهالي حينما تجود السماء بأمر ربها بالخير ، فتخضر الأرض والنفوس ويلهج كل حي بحمد ربه .
تتربع على قمم جبال قطاع بلغازي من جهته الشرقية العديد من القرى ، التي ضمت أعداداً كبيرة من الأهالي ربما قل عدد الأسر الآن لنزوح الكثير إلى مراكز الخدمات لقلة وسائل الحياة التي تضمن مستوى مقبول منها ، فما زالت تلك القمم الخضراء على الرغم من أهميتها بالنسبة للأهالي وعلى الرغم من جمال الطبيعة فيها وأهميتها الزراعية والاقتصادية للقطاع ما زالت تشتكي الظلمة فالتيار الكهربائي لم يصلها حتى الآن ، أيضاً بالنسبة للخدمات الأخرى كالطرق المعبدة والتي تعد حلم الجميع إن تحقق سيزيل الكثير من الصعاب وينهي المعاناة .
منطقة الشرق من قطاع بلغازي لوحة فنية شكلتها قدرة الخالق عز وجل ثم يد الإنسان المبدع هناك ، فالجبال الشاهقة لوحات فنية مطرزة بأشجار الموز ، ومدرجات الذرة ، والدخن ، والحَبَـش ، مساحات كبيرة من تلك المرتفعات تشكلت مدرجات زراعية على مر الزمان فمنذ وجود الإنسان في تلك الجهة ويده لا تكف عن تشغيل جُنُبات الأكمات والمرتفعات ، وبناء القلاع التي تقف شاهداً على براعة الإنسان ، وتطويعه للصعاب .
أثناء جولتنا التي استمر نهاراً كاملاً جلنا خلالها العديد من النواحي ، والمرتفعات المشهورة هناك كريع مصيدة ، ومصيدة العليا ، وعكوة مصيدة ووادي الصدر ، مروراً بوادي جبحة من بعيد وجبل صُماد وهذه الأماكن هي الأهم ويربط فيما بينها طريق متعرج شُـقت أجزاء منه من قبل وزارة المواصلات وأجزاء أخرى بتعاون من الأهالي بمعداتهم الخاصة وأحيناً أخرى بأيديهم !
ويرتبط الأهالي فيما بينهم بعلاقات قوية أسرية واجتماعية وثقافية واقتصادية ، وشكل هذا الارتباط قوة كبيرة مكنتهم من تحدي الصعاب ، ومن مواجهة الأعداء قديماً ، وتحدي الظروف حديثاً ، أفرز هذا التحدي للطبيعة المتمثل في بناء المدرجات وشق الطرق ، واستصلاح الأراضي زراعياً ولد منظراً خلاباً يأسرك وأنت تجـول خـلال تلك الـمدرجات ، ويمتـد نظرك في أفق أخضر زينـته أزهار ” السكب ” ومدرجات الذرة ، وأشجار الموز .وما أن تنحدر جهة الأودية إلا وتصادفك أشجار ضخمة تقف شاهداً على عمر المكان ، مشكلة غابات طبيعية تتغلغل من بين جذوعها مياه الوادي وقد تنوعت هذه الأشجار بين أشجار السدر ، و البراء ، الميل ، وهي أشجار ضخمة خضراء نمت على حواف الوادي من الداخل .
كنا في طريقنا إلى قلعة ذُكر لنا عنها الكثير ، تقع في وادي ( الصدر ) الذي أشرت له سابقاً وقد كنت متشوقاً للوصول ، وتحملنا مشقة الطريق ووعورته إذا يتوجب عليك اجتياز مساحة كبيرة من وادي ( الصدر ) لتصل إلى تلك المنطقة ، التي ذُكر لنا أنها تحوي على قلعة كبيرة ومقبرة تميزت بطريقة دفن موتى تلك الناحية قديماً ، وبعض النقوش على بعض القبور منها .
اختلفت الروايات حول حقيقة تلك القلعة والقبور ، إذ لا يُعرف حتى الآن بشكل محدد تاريخ القلعة ولا القبور حولها لأن أحداً لم يهتم لتوثيق تاريخها ، وقد توفي كبار السن ولم يؤخذ منهم بشكل موثق تاريخ تلك القلعة وطبيعة الأحداث التي جرت فيها ولا مالكها ولا سر القبر ذو الثعبان !
في الطريق إلى المنطقة وفي بطن الوادي المخضر تصادفك العديد من الأشجار النادرة والمرتفعة والتي تشابكت فيما بينها مكونة مضلات باردة لمن أراد الارتحال إليها ، أيضاً تصادفك صخور كبيرة منها ما جرفها الوادي من أعالي الجبال ، ومنها ما تكشفت عنه الأرض بفعل السيول ، إذ أن الوادي متسع بشكل كبير في بعض نواحيه ليضيق في نواحي أخرى .
تقع القلعة التي قصدناها في جهة مرتفعة من ذلك الوادي ( وادي الصدر ) والذي يبعد عن ( ريع مصيدة ) قرابة العشرة كيلوا متراً جهة الغرب وتحتل مساحة كبيرة مستوية تحتل المقابر منها مساحة الثلثين حالياً بينما توزعت مساحات أخرى على شكل مدرجات زراعية كانت تستخدم على ما يبدو كمزارع لتلك الناحية من الوادي ، وتقف تلك القلعة شامخة منذ أمد طويل لم تتهدم إلا في بعض نواحيها ولو تم ترميمها لأصبحت صالحة للسكنى . تكونت هذه القلعة من برج يحتل ما بين طابقين إلى ثلاثة بارتفاع يقدر بعشرة إلى إثني عشر متراً وثلاث غرف محيطة بالبرج بالإضافة إلى بعض الملاحق الصغيرة ولم يتهدم منها سوى تلك الملاحق ، حتى أن باب إحدى الغرف ما زال على حالة لم يمسه عطب حتى الآن ، وهذا يدل على حرفية صانعيه وجودة المواد لمستخدمة في صناعته وقد يدل على مستوى أصحاب القلعة المادي والاجتماعي في ذلك الزمن .
في الأسفل من القلعة جهة الشرق تقع القبور القديمة ، يتوسطها قبر تميز عن البقية بحجمه وطريقة بنائه وتلوينه وتجصيصه وقد نُـحتت عليه صورة أفعى كبيرة اتجه رأسها جهة الشرق وذيلها جهة الغرب فاتحة فمها .
قيل لنا أن رجلا كان يُؤتم به وهو رجل صالح اتخذ قبره ضريحاً في حقبة ما ! وقيل أيضاً في رواية أخرى أن هناك تقليد قبلي قديماً يقضي بنصب قبر للمقتول في الثأر بين القبائل !! فحينما تغير قبيلة ما على أخرى وتقتل منها رجلا فإن القبلية الأخرى تثأر لقتيلها فتقتل أشجع رجل في القبيلة الأخرى وتنصب له قبراً يتميز عن بقية القبور ليكون شاهداً للجميع على الثأر واقتصاص الدم !
وقد اختلفت القصص والراويات ولكن ما اتُـفق عليه هو أن عمر المكان كبير جداً ، وأن الإنسان الذي استوطن هذه الناحية استطاع أن يطوع الجبال ، وأن يمكن لنفسه منها .
التقطنا عدد من الصور للتوثيق ثم اتجهنا ناحية منطقة أخرى لا تقل روعة عن الوادي غير أنها تقع في قمة المرتفع وهي تكتنز تاريخاً كبيراً ، وقد تربعت على قممها قمم أخرى هي همة الإنسان العالية في تلك الأرض التي خلفت تاريخاً مشرفاً ، وكتبت وما زالت تكتب قصة الوفاء للأرض ، و ملحمة للعطاء .
انطلقنا شرقاً وفي نفس طريق ذهابنا إلى القلعة عائدين إلى نقطة تلاقي طريقي جبل صماد المتجه غرباً ، وطريق ريع مصيدة القادم من الشرق ، واللذان يلتقيان في منطقة عكوة مصيدة وهي النقطة التي نقصدها لأنها تتكون من مجموعة من البيوت القديمة المبنية من الأحجار وبطريقة احترافية تنبئ عن براعة يمتلكها رجل تلك الأرض .
قديمة هي تلك القلاع والبيوت والتي بنيت بطريقة تمكن من احتواء عدد كبير من الأسر فطبيعة الأحداث قديما تفرض نمطاً من البناء يمكن من تجمع الأسر في مكان واحد ، ولم يكن على منوال البناء في الفترة الحالية والذي يتكون من بيوتات متفرقة متباعدة شيئا ما .
انقسمت منطقة ( عكوة مصيدة ) إلى قسمين قسم احتوى البيوت والقلاع القديمة والتي تداخلت في بعض الأجزاء من القرية ، وقسم حوى البيوت الحديثة التي بنيت بالطريقة التقليدية ، وبمواد البناء الحديثة .
على الرغم من أن الأهالي في تلك الناحية هجروا القلاع إلا أنها ما تزال صالحة للسكنى في الكثير من أجزائها ، وما يزال البعض منها مسكوناً .
قمنا بجولة بين غرف بعض القلاع ، والتقطنا العديد من الصور للتوثيق .
إبراهيم جبران 10-2-1425هـ
[1] – ( واحة القمر .. بلغازي ) للشيخ أحمد بن جابر المعلمي الغزواني – الطبعة الأولى 1424هـ 2003م صفحة 55 . دار الصاعدي للطباعة
[2] – ( واحة القمر .. بلغازي ) للشيخ أحمد بن جابر المعلمي الغزواني – الطبعة الأولى 1424هـ 2003م صفحة ( 26 ) . دار الصاعدي للطباعة .
[3] – المصدر السابق .
[4] – المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية تأليف الأستاذ محمد بن أحمد العقيلي صفحة رقم (340) الطبعة الثالثة 1415هـ 1994ممطبوعات نادي جازان الأدبي .
[5] – لسان العرب .
[6] – المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية تأليف الأستاذ محمد بن أحمد العقيلي صفحة رقم (234) الطبعة الثالثة 1415هـ 1994ممطبوعات نادي جازان الأدبي .
معجونة منك أحلامي وأوردتي…….قوية النبض من إشراقك اللهف
إليك يحلو انتمائي ،يزدهي فرحي…..فأنت دفئي وترنيمي ومنعطفي
للشاعر علي النعمي
قرأت ماكتبت في بحثك ياأستاذ/ابراهيم عن(بلغازي)وشعرت بالغبطه والفرح حيال ذلك لكوني من بنات بلغازي ووجدت شموليه في الوصف والطرح ،وقد يعد هذا البحث من وجهة نظري مرفأ” أوليا لكل من أراد أن يتعرف على تاريخ المنطقه .
أعرف أن الرحله كانت شاقه بالنسبه لك ،ولكن لك أن تسعد بأن كانت ثمرة جهدك بهذا المستوى
الرائع .
كنت أتمنى أنك تطرقت إلي اﻷكلات الشعبيه وطريقة أستقبالهم للضيف قديما وبعض العادات والتقاليد الموروثه.
أشكرك أستاذ جبران بصراحه أن رائع بل مبدع بل أن جميع الكلمات الجميله التي سطرها البشر لاتفي بحقك…الله يوفقك ويسدد خطاك..