جازان تزخر بموروثات ثقافية واجتماعية كثيرة .. تتنوع هذه الموروثات تبعاً لتنوع جغرافيتها ، هذا التنوع أكسبها ثراء تراثياً وثقافياً كبيراً.
هناك الكثير من العادات التي أهملتها كتب المهتمين بتاريخ وتراث المنطقة ، وتناستها ذاكرة الإنسان .. وتحتاج إلى بحث وتقصي وتوثيق يليق بها وبقيمتها الكبيرة .
فيما يلي من ورقات سأتطرق بقليل من معلومات وعظيم حياء كوني لم أفرد لمادة هذا البحث صفحات كثيرة وأورد فيه بعض ما بقي في الذاكرة ، وما حكته لي الجدة في إحدى أمسياتها الجميلة وهي منتشية بسرد تلك اللحظات الرائعة ساعة إعداد الـ ” محشوش ” أيام العيد من كل عام .
المحشوش – عزيزي القارئ – هو تقنية فريدة نتاج حاجة ماسة اعترضت الإنسان في الجنوب وأخص ” جازان ” رغم بدائيتها إلا أنها ما زالت تتوارث ويتسابق الصغار قبل الكبار على حضور فعالياتها التي تقام على مستوى كل أسرة .
ما أن يفرغ الإمام من خطبته في يوم عيد الأضحى حتى تهز أقدام الجزارين أزقة القرية تتعالى صيحاتهم مباركين بالعيد ومنادين وعارضين استعدادهم لإنجاز مهمة الذبح في دقائق وبأعلى مستوى من الحرفية ، وما هي إلا لحظات وتكون الذبيحة معلقة وسط فرحة الصغار ولهفة الكبار لوجبات دسمة سيكون ألذها في مساء يومهم الأول .
المحشوش هو نتاج تلك الذبيحة التي تعلق لساعة أو ساعتين حتى ينتهي قطر دمها ثم تبدأ عملية التقطيع وهي أولى مراحل إعداد ” المحشوش ” ولهذا سمي المحشوش محشوشاً لأن ” هَبْرَات ” اللحم تقطع أجزاء صغيرة متفاوتة الحجم وبنفس الطريقة يتم التعامل مع ” الشحم ” ثم يعزل كل على حده ” اللحم ” و ” الشحم ” وكلما كانت الذبيحة أكبر كلما طالت مدة الاستمتاع بهذه الطبخة السنوية والتي لا تجود – حسب رأي جدتي – إلا في أيام عيد الأضحى .
قديماً لا تتم طقوس إعداد المحشوش إلا في المساء بعيد صلاة المغرب إذ كانوا يتجمعون حول قدرهم الحجري الكبير ويتوافد عليهم الجيران كلٍ بما حصل عليه من ذبيحته لحماً وشحماً .. أما اليوم فقد استبدل ذلك القدر الحجري بقدر معدني تتفاوت أحجامه حسب كمية اللحم المقطعة .
تقول جدتي .. أن تلك اللحظات كانت من أمتع اللحظات في أيام العيد تصل الأسر المجتمعة أحياناً إلى خمس وأحياناً إلى أكثر من سبع كل أسرة بما لديها سعيدة وما ستعود به إلى البيت أسعد .
يجهز القدر بوضعه على أحجار ترفعه عن الأرض بمقدار الأربعين سنتمتر تقريباً بعد حفر حفرة صغيرة تتسع لأعواد الحطب وتضرم النار في حزمه المنتقاة بعناية والتي تضمن لهباً متصاعداً وحرارة تذيب الشحوم المكومة ثم تفرغ الآنية التي عزل فيها الشحم أولاً وتترك مع التقليب المستمر حتى يذوب الشحم أو بعضه ثم توضع عليه قطع اللحم وتقلب باستمرار ، وهذا التقليب يتناوب عليه الرجال والنساء وسط أجواء بهيجة وقهقهات منتشية ، تدور فيها فناجين الشاي والقهوة ، ويتقافز الصغار بلهفة لرؤية ما يقلب في جوف القدر الملتهب .
ثلاث ” عفَّات ” – قالت جدتي – يحتاجها المحشوش كي ينضج .. وهذه ” العفَّات ” هي ارتفاع زيت الشحم إلى أعلى القدر بعد وضع اللحم حيث هي – أي العفَات – علامة النضج ب
بعدها يتم وضع البهارات والتوابل والأعشاب العطرية والملح وعادةً تتكون هذه البهارات والتوابل من ” الهيل ” و” القرفة ” وبعض التوابل الأخرى .. تطحن جيداً وتقلب مع اللحم الممتزج بالشحم المذاب ، لتفوح منه رائحة زكية وشهية تجعل الصغار في لهفة لتذوقة عنوة .
تقول جدتي .. أن أكل الكثير من المحشوش فور إخراجه من القدر قد يسبب مشاكل في المعدة والأفضل أن يترك حتى يبرد ثم يغرف منه غرفات حسب الرغبة ليقدم على الغداء .
” المحشوش ” طريقة قديمة لحفظ اللحم لأن القدماء لم يعرفوا أجهزة التبريد ولا وسائل الحفظ الحديثة كانت كميات اللحم الكبيرة في يوم العيد مهددة بالتعفن عادة وإن استمروا في الأكل منها وهي – أي فكرة المحشوش – من الأفكار التي كانت تطبق لحفظ اللحم ففي المناطق الجبلية كانوا يحفظونه في الهواء الطلق في طريقة تسمى ” التشريق ” ويقال لها أيضاً ” الحميس ” وهذا لأخير هو طبخ الشحم دون اللحم ويؤكل كإدام ، لكن المحشوش من الطرق الأكثر أماناً وإن كانت كمية الشحم تشكل مصدر خطيراً كون الدهون فيه مرتفعة جداً إلا أن الشحم ” الجامد ” يحفظ قطع اللحم من التعفن وقد يظل لمدة عام كامل دون أن يمسه العفن وبنفس نكهته ولذته .
لم يُعرف تاريخ محدد لبداية تطبيق هذه الفكرة لكنها قديمة قدم الإنسان في الجنوب ، ومتوارثة دون تحريف ولا تصريف إلى اللحظة ، ويعد ” المحشوش ” من الأطباق المشهورة جداً وهو طبق موسمي يولد مع ولادة عيد الأضحى ، وتتميز به تهامة دون المناطق الجبلية .
يمكن أن يؤكل ” المحشوش ” مع الأرز ، لكن الألذ أكله مع خبز الذرة ” العيش الحامض ” كما يسمى وهو قرص من عجين الذرة المخبوز بحجم الكف عادة يخبز في التنور ، ويقدم مع المحشوش ” اللبن الرائب ” وبعض الإدامات المحلية .
حقيقة ما زلت استغرب الاحتفاء بهذا التقليد ، واجهل سر ديمومته إلى الآن مع زوال أسبابه ، ولم لا تتأكد هذه الوجبة إلا في الأيام التالية لعيد الأضحى وتُتجاهل نهائيا في بقية أيام السنة ؟!
جدتي تقول أن بركة الأضحية هي ما يمنح المحشوش هذه المكانة وما يجعل طقوسه بهذا الجمال المتمثل في الألفة والتعاون والمحبة إذ ليس الهدف منه الأكل وحسب فقد أصبحت قيمته الحقيقية والجميلة في حدثه من حميمية وتآلف واجتماع .
وأتساءل لم لا يكون لنا ليالٍ لبقية العادات والتقاليد الجميلة كليلة ” المحشوش ” نتذاكر القديم ونحيي تراثنا وعاداتنا التي أهلكتها المدنية وأنستنا إياها عجلة الأيام المتسارعة ؟!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقرير وتصوير : إبراهيم جبران .
نعم تتميز تهامه بهذه اﻷكله الشعبيه، وقله من أهل الحبال يقومون بصنعه أيضا ويسمى لديهم بإسم (الحميس)اي حمس الشي قليه .
التصوير بجميع مراحله لﻵكله فيها إبداع تشكر عليه.
نعم تتميز تهامه بهذه اﻷكله الشعبيه، وقله من أهل الحبال يقومون بصنعه أيضا ويسمى لديهم بإسم (الحميس)اي حمس الشي قليه .
التصوير بجميع مراحله لﻵكله فيها إبداع تشكر عليه.
احنا سوينا محشوش حراااااااااااااااااااااااااق