يحمل سوق الأحد الأسبوعي الذي يقع بمحافظة احد المسارحة قيمة تاريخية وتراثية خاصة فهو يعتبر من أقدم وأشهر الأسواق الشعبية في منطقة جازان حيث تشير بعض المصادر انه أنشئ في عام 1103ه أي قبل أكثر من 300 عام ويقام كل يوم احد من كل أسبوع ويرتاد هذا السوق العتيد عدد كبير من المتسوقين من كل محافظات جازان، إضافة إلى الأجزاء الشمالية من اليمن الشقيق لتسويق منتجاتهم الزراعية والحيوانية والصناعية والحرفية .

ولعل ما يميز سوق الأحد هو وجود سوق كبير للمواشي بمختلف أنواعها ويعتبر اكبر سوق أسبوعي للمواشي من أسواق جازان الأسبوعية والذي انعكس بشكل إيجابي على الجانب التجاري فيها مما جعل المحافظة مورداً مهماً بين محافظات المنطقة والمناطق الأخرى من الناحية الإنتاجية والتسويق بالإضافة إلى توفر جميع أنواع السلع الاستهلاكية والتراثية ويشتمل كذلك على مختلف الأنشطة والفعاليات الاجتماعية والتجارية والتسويقية والإنسانية مما عزز من عراقته وتاريخه العتيد الذي لا زال يمثل علامة بارزة في تاريخ منطقة جازان وكان سوق المسارحة قديما وقبل ظهور وسائل الإعلام عبارة عن ملتقى أسبوعي للقبائل تستقى منه أخبار الأمطار والحصاد والزراعة كما انه يعتبر ملتقى اجتماعياً تدور فيه لقاءات الود والمصالحة والتعارف والتقارب ومكاناً لعقد الصلح بين القبائل المتنازعة وعقد الاتفاقيات التجارية بين القبائل كما انه يعد ملتقى للشعراء لكي يتداولوا فيه الشعر من مدح وهجاء وغيره من أنواع الشعر الشعبي في تلك الحقبة الزمنية.

ذكريات قديمة

ولازال الكثير من كبار السن ممن عاصر السوق قبل أكثر من أربعين عاما يحمل الكثير من الذكريات حيث يؤكدون أن هناك بعض السيارات التي ترد للسوق ولكنها قليلة جدا ونادرة، كما أن من يصل للسوق من أماكن بعيدة كان يحتاج للأكل لدى بعض النساء اللواتي كن يقدمن الوجبات الشعبية فيما يعرفون بالمنزلات تعويضا عن المطاعم الموجودة في هذه الأيام ، فكان من يشهد قيام السوق يعود لقريته محملا بالكثير من الأغراض التي جلبها من هذا السوق له ولمعارفه وجيرانه في إطار التعاون والبساطة الذي كان يسود بين مجتمعاتهم لقضاء حاجاتهم، ثم يجتمع مع جيرانه وأقاربه على وجبة العشاء التي أحضر مكوناتها من السوق ليخبرهم بالجديد في الأسعار وكذلك ينقل الكثير من الأخبار التي تجري هنا وهناك. وقد اعتاد مرتادو سوق المسارحة قديما على تبادل البضائع بعدة طرق إما بالنقد أو المقايضة حيث يحضر سكان القرى الكثير من منتجاتهم الطبيعية ويستبدلونها بما يحتاجونه مما يعرض في السوق، ويقوم باعة السوق بتجميع تلك المنتجات وتوريدها لبعض التجار الذين يشترونها نقدا ويصدرونها لأسواق أخرى وهكذا كانت تدور عمليات البيع والشراء بسهولة ولازال هذا السوق الشعبي العريق ملتقى رئيسا لأهالي المنطقة، يفد إليها المتسوقون من كل مكان للبيع والشراء وتبادل الأخبار والمشورة محتفظاً بكم كبير من عبق التاريخ وثقافته ومنتجاته وأخلاقياته .

ركن الحلويات الشعبية

فقبيل إشراق الشمس من صباح يوم الأحد يبدأ الباعة في افتراش الأرض كل منهم في موقعه المعتاد، داخل السوق وكأنما هناك اتفاق ضمني بين الجميع على التوزيع داخل هذه السوق، فتجد لكل قسم أهله وهم يعرفون بعضهم بعضا، بل إنهم يعرفون أماكنهم داخل السوق دون التعدي على أماكن زملائهم من الباعة الآخرين حتى وإن سبقهم إلى المكان نفسه.

وبعد ترتيب بضائعهم تتعالى الأصوات تدعو الزبائن للاقتراب ومعاينة البضاعة قبل الشراء في أجواء خيالية وبسيطة تفوق الوصف( الرياض) تجولت في أركان وزوايا هذا السوق الجميل والتي غلب عليها التخصص، فكل قسم له خصائص مهمة فهناك باعة الأغنام بأنواعها وباعة الطيور والحبوب والأقمشة والخضار والفواكه والسمن البلدي والحبوب والتمور وباعة الأدوات التراثية والشعبية وباعة المصنوعات الخسفية وهناك مبيعات خاصة بالنساء حيث يتوافد عدد منهن من كبيرات السن لبيع بعض الملابس والمشغولات والتراثيات الخفيفة وكذلك النباتات العطرية لتنافس الرجال في الحصول على لقمة العيش لتؤمن مصدر دخل لها ولأفراد أسرتها

سوق المواشي والأعلاف والمحناط

بداية الجولة أخذتنا الى سوق المواشي والأعلاف والذي يعد اكبر سوق للمواشي بالمنطقة وهو مفصول عن بقية أجزاء السوق الأخرى، وتتوفر فيه الأغنام بجميع أنواعها الخرفان والتيوس والماعز والضان ويشتهر ببيع أجود الأغنام البلدي ، والتي يقبل عليها المتسوقون بشكل كبير حتى وإن غلا ثمنها، فهي المفضلة لدى أبناء المنطقة وإضافة إلى الأغنام، هناك الأبقار والإبل وهي لها حضورها وزبائنها ولكن بكميات أقل، أما سوق الأعلاف ففيه تباع جميع أنواع الأعلاف والحبوب لتسمين وتغذية الماشية بأنواعها.كما توجد بالقرب منه سوق المحناط ويباع في هذا السوق مختلف أنواع الحبوب والذرة والبر

ركن الحرف والصناعات التقليدية

في ركن آخر داخل السوق ينشر باعة الحرف والصناعات التقليدية واليدوية معروضاتهم المتنوعة في لوحة فنية رائعة يزيد جمالها العارضون أنفسهم بهيئاتهم المتواضعة ولهجاتهم المحلية وعبق التاريخ الذي يكسو ملامحهم. في زاوية من زوايا السوق يجلس العم يحيى قضام فقيهي أمام أواني خشبية معروفة محليا بالصحاف وهي مقاسات منها الكبير والمتوسط والصغير حيث يقوم الفقيهي ببيعها لزبائنه في السوق يقول بأنه يرتاد سوق المسارحة منذ أكثر من أربعين عاما مؤكدا أن الدخل يعد جيدا جدا في السوق. وفي جزء قريب منه يضع بائع القطران الشهير بالسوق حمد سياني كميات كبيرة مما أنتجته يداه بين يدي المتسوقين، وقد راعى في معروضاته رغبات المستهلكين فقام بتوفير أحجام متعددة من المنتج تتدرج من الكبير جداً إلى الصغير.

كما أن المنتج ينقسم إلى قسمين هما قطران الروب و قطران الشوب. وتنتشر في السوق أيضا أنواع من المصنوعات الخزفية والسعفية القديمة التي تشتهر بها منطقة جازان كالمكانس اليدوية المعروفه محليا بالمطارش والكراسي الخشبية ( القعد) وغيرها من المصنوعات القديمة التي تصنع يدويا

ركن الحدادة وأدوات الحراثة

يعرض في سوق الأحد الشعبي عدد من أدوات الحراثة والزراعة والحفر مثل “المسحاة” والفأس وكذلك الأوتاد التي تستخدم لشد الخيام ومرابط لبعض الحيوانات وتحديد وصقل الشفار والحربة والسكاكين العم محمد يحيى الغماري وجه معروف في هذا السوق منذ أكثر من 30 عاماً حيث يمارس مهنة الحداد وصقل السكاكين والشفار بالإضافة الى بيع بعض أدوات الحدادة ويقول الغماري الحمد الله يتجاوز دخلي 400 ريال يوم السوق بينما في المواسم مثل الأعياد والإجازات يصل إلى 1500 ريال . أما الشاب محمد غماري فهو كما يقول إنني آتي أسبوعيا من محافظة ابوعريش لعرض بضاعتي في سوق الأحد بالمسارحة الذي يحظى بشعبية كبيرة على مستوى المنطقة وليس لديه عمل سوى هذه الأشياء التي أقوم ببيعها

أركان متنوعة

يجذب سوق الأحد الشعبي الكثير من الأقسام منها بيع النباتات العطرية ذات الرائحة الزكية وجميعها نباتات محلية ويقبل عليها أهالي المنطقة بشكل كبير وكذلك بيع الحلويات الشعبية التي تشتهر بها جازان . وهناك أيضا حضور قوي للأشقاء اليمنيين في السوق لعرض ما لديهم من منتجات كالبهارات والقهوة العربية والزبيب والحبوب المختلفة. كما تباع في سوق الأحد أنواع من الطيور والحمام والدجاج والأرانب وغيرها . وتنتشر يالسوق أيضا أنواع من الأدوات الحديثة من عطور وأوان منزلية وملابس،, إضافة إلى المنتجات الشعبية الأخرى مثل البخور, والعود. كما أن هناك من يقوم ببيع الأواني المنزلية الحديثة والملابس بأنواعها نسائية ورجالية.

…………………..
جازان – علي المدخلي