تثير قضية الحكم الشرعي لزراعة القات وتعاطيه جدلاً في المجتمع كلما طرحت للنقاش، ففي الوقت الذي يرى فيه كثير من العلماء حرمة زراعة وتعاطي القات، يشير فقهاء آخرون إلى أنه لا يوجد دليل قطعي على تحريم القات، لأن دخوله في دائرة المخدرات والمسكرات لم يثبت، حسب قولهم.
وتختلف حجج كل فئة بحسب مسوغ التحريم ما بين شرعي واقتصادي واجتماعي وصحي.
وانقسم العلماء إلى ثلاثة أقسام في حكمهم على هذا الموضوع، فبعضهم يرى حرمة أكل القات مطلقاً، وآخرون ينظرون إلى القات على أنه من المشتبهات فيعدوه مكروهاً، ويكادوا يحرمونه، إلا أنهم لم يجرؤوا، زهداً وخوفاً من الزلة في تحريم ما لم يحرمه الله عز وجل، ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، أما القسم الثالث فيرى إباحة أكل القات.
ويمثل كبار العلماء في المملكة الفئة الأولى، التي أجمعت على تحريم القات بشكل قطعي، مشددين على عدم جواز أكله، أو بيعه، أو زراعته، أو الدفاع عن متعاطيه، وأكدوا أن تحريمه جاء لما فيه من مضار على الفرد والمجتمع، إضافة لما ثبت علمياً بأنه يدخل ضمن دائرة المخدرات المجرمة والمحرمة شرعاً، وقانوناً، وفق منظمة الصحة العالمية.
وأشاروا إلى كم الأضرار للقات، التي تتنافى مع ما جاءت به الشريعة الإسلامية، بحرصها على سلامة الفرد والمجتمع، مصداقا لقوله عليه الصلاة والسلام، “لا ضرر ولا ضرار”.
وشددوا على أن الشريعة الإسلامية جاءت للمحافظة على المصالح الضرورية الخمس للناس، المتمثلة في الدين والنفس والعقل والعرض والمال.
وأوضحوا أن لتعاطي القات أضراراً على هذه المصالح الخمس، مشيرين إلى أن المتعاطي يقضي لياليه في السهر وهجر زوجته وأولاده، مما يتسبب في ضياع حقوق الزوجة والأولاد وتشردهم، وهذا ضرر على العرض والنسل. ويصرف مبالغ على تحصيله، وأسرته وأولاده بحاجة إلى هذا المال، وهذا ضرر على المال، ويتسبب في ترك المتعاطي لواجباته الدينية، وهذا ضرر على الدين، أما الضرر على النفس والعقل، فيكمن في الأمراض العضوية والنفسية التي تصيب المتعاطين للقات.
وخلصوا إلى أن مجمل هذه الأمور تلحق الضرر المباشر في الضرورات الخمس التي حرص الدين الإسلامي على الحفاظ عليها، مستدلين بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: “لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟”.
وقد أصدر علماء المملكة، متمثلين في هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للإفتاء والبحوث، فتاوى عديدة تحرم وتجرم تعاطي القات، بناء على ما يلحقه القات من ضرر بالضرورات الخمس التي جاء الشرع لحمايتها، لتأتي هذه الفتاوى متماهية مع جهود الدولة في محاربة زراعة القات، وهو ما أعلنه أمير منطقة جازان، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ناصر بن ‏عبدالعزيز، بأن إمارة المنطقة حرصت بالتنسيق مع الجهات المعنية ‏على وضع الخطط الكفيلة بالحد من تعاطي نبات القات، لما له من آثار ‏سلبية على الفرد والمجتمع، كما أنه يحد من ‏إنتاجية الفرد، ويتسبب في هدر المال. وبين أمير جازان أن جمعية التوعية بأضرار القات، تكتسب أهميتها من مشاركة الجهات ذات العلاقة في عضويتها من مختلف الأبعاد الإرشادية ‏والأكاديمية والتربوية والصحية والاجتماعية والأمنية.
أما شريحة أخرى من العلماء، خصوصاً في اليمن، فانقسموا بين كاره لأكل القات، ومبيح له بالإطلاق، وحجتهم على ذلك أن القات لا يدخل في دائرة المخدرات والمسكرات، مطالبين بالدليل على تحريمه.
“الشرق” فتحت ملف الجدل الفقهي حول الحكم الشرعي للقات، راصدة فتاوى بعض العلماء:

فتاوى التحريم

عبدالعزيز آل الشيخ

بداية حذر مفتي عام المملكة، رئيس هيئة كبار العلماء، رئيس اللجنة الدائمة للإفتاء والبحوث، عبدالعزيز آل الشيخ، من الوقوع في براثن المخدرات بمختلف أنواعها، بما فيها القات، مؤكداً أنها تُدمّر كيان الإنسان، وتقضي على أخلاقه وبدنه، مشدداً على ضرورة الابتعاد تماماً عن ترويجها، وبيعها، أو التستر على أهلها. ووصف أربابها بأنهم “أعداء الإنسانية، ولا خير فيهم”.
وأكد عضو هيئة كبار العلماء، المستشار في الديوان الملكي، عبدالله المنيع، أن القات يصنف من أنواع المخدرات المحرمة والمجرمة شرعاً وقانوناً، مشددا على وجود اتفاق بين كبار الفقهاء والعلماء على تحريمه، لما فيه ضرر على الفرد والمجتمع.
وشدد على عدم جواز تبرير أكله أو الدفاع عنه، موضحاً أن، “القول بجواز القات، أو مجرد كراهيته، أمر غير صحيح، ويجانب الصواب، ولا يجوز، لأن أهل العلم أجمعوا على ضرره، وكذلك الفقهاء (اتفقوا) على تحريمه، فهو قول اجتهادي غير صحيح”.
ودعا المنيع متعاطي القات إلى تقوى الله، مشيراً إلى أن بعض متعاطيه يجهلون حكمه الشرعي وتقودهم العاطفة فيصدقون كلام البعض بأنه غير محرم، ولا ضار، وهو كلام غير صحيح، فالجميع أجمعوا على ضرره وتحريمه.

د. عبدالله المطلق

ويتفق عضو هيئة كبار العلماء، عضو اللجنة الدائمة للإفتاء والبحوث، المستشار في الديوان الملكي، الدكتور عبدالله المطلق، مع رأي المنيع بأن القات هو نوع من أنواع المخدرات، المصنف في منظمة الصحة العالمية، مؤكداً أن جمهور العلماء أجمعوا على تحريمه.

عبدالله المنيع

وأبان أن هذه الشجرة تورث الإدمان، وتضيع العقل والمال، مشيراً إلى آثاره السلبية، التي تظهر على متعاطيه، رافضاً التشكيك في حرمته نظراً لما يترتب عليه من مضار على صحة الفرد، مشدداً على أن القات من المفترات للأمة، التي تخسر بسببه، كثيرا من المقدرات.
وتطرق المطلق إلى الآثار السلبية للقات، من فقر وطلاق وتشتت أسر، والإسراف في الإنفاق عليه، مما يتسبب في حرمان كثير من أبناء متعاطيه وزوجاتهم من النفقة الواجبة على الأب.
ودعا المطلق مدمني القات بوجوب التوبة إلى الله، جل وعلا، وأن يحفظوا أموالهم وأوقاتهم، وأن يلتفتوا لأسرهم، التي هي في أمس الحاجة لهم، بدلاً من إمضاء ساعات في تعاطي القات.

تضييع الوقت والمال

د. يعقوب الباحسين

وأكد عضو هيئة كبار العلماء، الدكتور يعقوب الباحسين، أن القات مخدر ومفتر، ومضيع للوقت والمال، موضحاً أن فيه عللاً كافية لتحريمه، خصوصاً أن الإسلام لا يبيح ما يضر الإنسان، لقوله تعالى: ((ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة))، وقوله عليه الصلاة والسلام: “لا ضرر ولا ضرار”.
وأشار الباحسين إلى أن الآثار السلبية لتعاطي القات تتضح في بعض الدول، ومنها اليمن، حيث يضيعون أوقاتهم في غرفة خاصة لتعاطي القات، وينصرفون عن أعمالهم وأسرهم وبلادهم، التي هي بحاجة إليهم.
واكتفى عضو هيئة كبار العلماء، عضو اللجنة الدائمة للإفتاء والبحوث، الدكتور أحمد السير مباركي، بالاستدلال بفتاوى كبار العلماء في المملكة، التي أجمعت على تحريم القات، ومنها فتاوى مفتيي المملكة الراحلين محمد آل الشيخ، وعبدالعزيز بن باز، اللذين حرما القات.

د. أحمد السير مباركي

وأشار المباركي إلى فتوى بن باز، ونصها: “لا ريب في تحريم القات والدخان؛ لمضارهما الكثيرة، وتخديرهما في بعض الأحيان، وإسكارهما في بعض الأحيان -كما صرح بذلك الثقات العارفون بهما-، وقد ألف العلماء في تحريمهما مؤلفات كثيرة، ومنهم شيخنا العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ”.
وأضاف بن باز، “الواجب على كل مسلم تركهما والحذر منهما، ولا يجوز بيعهما، ولا شراؤهما، ولا التجارة فيهما، وثمنهما حرام وسحت”.
وأبان بن باز في فتواه بأنه “لا تجوز صحبة من يتناولهما أو غيرهما من أنواع المسكرات؛ لأن ذلك من أسباب وقوعه فيهما، والواجب على المسلم أينما كان صحبة الأخيار، والحذر من صحبة الأشرار، وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم الجليس الصالح بحامل المسك (…)، وشبه الصاحب الخبيث بنافخ الكير”.
وأفاد المباركي أن فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أكدت أن “القات محرم ولا يجوز لمسلم أن يتعاطاه، أكلاً وبيعاً وشراءً وغيرها من أنواع التصرفات البشرية في الأموال المباحة، وقد صدر من سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم، رحمه الله، فتوى في تحريمه”.

مخالفة ولاة الأمر

د. صالح السدلان

واستند أستاذ الدراسات العليا في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، صالح السدلان، بتحريمه للقات، على أن زراعته وتعاطيه يعد مخالفة لولاة الأمر.
وقال: “من المعلوم أن الدولة تمنع زراعة القات، وتقوم بدورات تفتيشية على المزارع لمنع ذلك، بل وصل الأمر إلى أن الدولة اشترت شجرة القات من المزارعين وقطعتها”، مبيناً أن المملكة العربية السعودية تحكم بالكتاب والسنة، وتحارب كل ما يضر صحة الأبدان.
وشدد السدلان على أن القات، بشهادة أهل الأثر والاختصاص، مخدر، ويؤثر في العقل، مشيراً إلى أن جميع الدول تحارب القات، وتمنع زراعته، لما له من أضرار.
وأفاد أن من يأكلون القات ويمضغونه يصابون بالإدمان عليه، ويدفعون الأموال لشرائه، ويبحثون عنه بكل الطرق، داعياً المسلمين للاستماع إلى توجيهات دولهم، ومساعدتهم في مكافحة أحد أنواع المخدرات، والتجاوب مع تحذيرات الدولة، والمنظمات الصحية العالمية، مطالباً المتعاطين بالتوبة إلى الله سبحانه، والإقلاع عن تناول ما تخرجه هذه النبتة.
وخلص السدلان إلى أن متناول القات يرتكب عدة محظورات، أولها أنه عاص لله سبحانه وتعالى، ثم لرسوله، ثم لولاة الأمر. وقال إن الله سبحانه وتعالى أحل الطيبات وحرم الخبائث، مشدداً على أن نبتة القات من الخبائث، التي حرمها الإسلام، لافتاً إلى أن متعاطي القات آثم وعاص.
وطالب المبيحين للقات بالنظر إلى الآثار السلبية لهذه النبتة على الفرد والمجتمع قبل إطلاق الأحكام.

فتاوى الإباحة

حمود الهتار

ورفض وزير الأوقاف اليمني، القاضي حمود الهتار، القول بتحريم القات. وقال إن “الأصل في الأشياء الإباحة، ومن ادعى التحريم، فعليه الدليل”.
وأفاد أن العلماء يقولون إن القات ليس مسكراً، ولا مفتراً، ولا منشطاً أيضاً، ولكن فيه من المنبهات بنفس نسبة ما هو موجود في القهوة العربية.

محمد العمراني

وشدد الهتار على أنه لا يجوز لعالم أن يجزم بالتحريم القطعي في مسألة عليها خلاف فقهي، مبيناً أن القات ليس محرماً لذاته، وإنما محرم لغيره. وقال إن “الحكم على الشيء فرع من تصوره، ومن ادعى التحريم فعليه الدليل، والتحريم لا يكون إلا بنص قطعي الدلالة والثبوت”، داعياً العلماء إلى أن يناقشوا هذا الموضوع بروية، وأن يعرفوا مكونات القات، وبعدها يمكن أن يتحدثوا عن حكمه، مشدداً على أن الثابت هو أن القات ليس مسكراً، ولا مفتراً، ولا منشطاً، إلا إذا ألحق بآكله أضراراً اقتصادية وصحية.
ويجيز القاضي محمد العمراني القات، معللاً رأيه، أيضاً، بأن “الأصل في الأشياء الإباحة، ومن ادعى التحريم فعليه الدليل الصريح الصحيح الخالي عن المعارضة، وأين هذا الدليل؟ إلا إذا كان فقيراً معدماً لا يجد حاجة من يعولهم من علاج ونفقة وكسوة، فهو حرام عليه”.

كراهية القات

ويقف خالد الرفاعي موقفاً وسطاً بين المحرمين والمبيحين بقوله “اختلف العلماء في حكمهم للقات لاختلافهم في إسكارها وضررها؛ قال ابن حجر الهيتمي: “إني وإن لم أجزم بتحريمه على الإطلاق.. أرى أنه لا ينبغي لذي مروءة أو دين أو ورع أو زهد أو تطلع إلى كمال من الكمالات أن يستعمله؛ لأنه من الشبهات، لاحتماله الحل والحرمة على السواء، أو مع قرينة أو قرائن تدل لأحدهما، وما كان كذلك فهو مشتبه أي اشتباه، فيكون من الشبهات التي يتأكد اجتنابها.. وإذا تقررت لك هذه الأحاديث، وعلمت أن غاية أمر هذه الشجرة أنها من المشتبهات تعين عليك -إن كنت من الثقات والمتقين- أن تجتنبها كلها، وأن تكف عنه، فإنه لا يتعاطى المشتبهات إلا من لم يتحقق بحقيقة التقوى، ولا تمسك من الكمالات بالنصيب الأقوى”