عندما تصل إلى أرض «جازان»، فلست محتاجاً لأن تبحث عن الجمال، فالجمال يقتحمك من كل الجهات والأحاسيس، في وجوه الناس وكلماتهم ومشاعرهم واندفاعهم للترحيب والخدمة والإغراق في سلسبيل المودة والحب، وفي الأرض، في البحر والسهل والجبل، في الآثار والجزر والشواطئ والحدائق والقرى، وفي الطعام الذي لا تنوع ولا ثراء يشبهه في العالم كله، وفي الفن والإبداع اللذين قل أن تجد لهما نظيراً. السؤال الذي يتبادر إلى ذهنك وأنت في «جازان» هو: كيف تعلم عن كل هذا الثراء والتنوع؟ «جازان» غائبة أو مغيبة عن علم جنابكم الكريم، فأنت «سعودي» تعيش في الرياض أو جدة، أو حائل وأنت في كل إجازة تفكر أين تذهب، إلى دبي أو بيروت أو أي مكان في هذه الأرض، وهذا من حقك، لكنك لو علمت عن «جازان» لما فكرت في غيرها، فلماذا هي غائبة أو مغيبة؟ السبب «جازان» نفسها، فهي لا تعلن ولا تقول ولا تعرض مفاتنها على غير أهلها، وعلى غير من تقوده صدف العمل أو الترحال فيصلها عفوا. في «جازان» ثروتان ضخمتان عظيمتان، فقد كنا منذ أيام الدراسة الأولى نقرأ ونسمع أنها «سلة خبز المملكة» ولا أدري لماذا لم تكن، لكنها الآن فعلاً «سلة الفن والإبداع والجمال» المتجلي في أهلها بوعيهم وقدراتهم المبهرة، وفي أرضها بتنوعها الجغرافي الذي لا مثيل له في بلادنا، وهذه هي الثروة الأولى، أمّا الثانية فهي أرض خصبة للاستثمار المضمون الربح، في شتى المجالات، وأهمها المجال السياحي الذي أعتقد أنه سيدر ذهباً للمستثمرين والمنطقة والوطن.
أمير «جازان» يتمتع بوعي عميق ورؤى ثاقبة، ونظرات عميقة، قلت له: يا أبا تركي، «جازان» الفاتنة في حاجة لأن تعلن عن نفسها، وتعرض مفاتنها، وتغري بثرائها وثروتها، قال هذا صحيح، لكن الأمر يتطلب استراتيجية، وأهم منها ميزانية ضخمة، ثم أعقبها بتنهيدة تعبر عن تطلعه وعزمه وإصراره، ولم أجد تعليقاً مناسباً لحظتها سوى أن قلت طالما أنت بهذا العمق والوعي فجازان مقبلة على مستقبل رائع. وحين كان الأمير على منصة الحفل يعلن ميزانية جازان لهذا العام «أكثر من ثمانية مليارات ريال لمشروعاتها الجديدة» لمعت في ذهني فكرة تتمثل في الطلب من كل مقاول يفوز بمشروع جيزاني أن يخصص 2 %من أرباحه للمساهمة في تنفيذ استراتيجية الأمير الإعلامية والإعلانية عن فتنة وثروات «جازان»، وفكرتي تنطلق أو تقوم على تصور أن أي مقاول ستكون – قطعاً – أرباحه أضعاف النسبة المذكورة، لكن لزحمة برنامج الأمير وإغراءات مفاتن المنطقة لم تتح فرصة مناسبة لعرض الفكرة التي أرجو أن تكون مناسبة وقابلة للتطبيق، إلى أن تتكرم وزارة المالية وتعطي «جازان» ميزانية مستقلة للترويج عن نفسها، وعما تفعله الدولة هناك من تنمية عملاقة جبارة متسارعة. قلب الأمير محمد وعقله ومكتبه وبيته وهاتفه كلها مفتوحة في أي وقت، ولأي سبب، وهذا ما أغراني أن أبلغه – هاتفياً – مساء مهرجان «جازان الفل، مشتى الكل» بما تعرض له الصحفيون والصحفيات والمصورون من قرار يمنعهم من دخول المهرجان، قال الأمير غير معقول، قلت: صدقت، لكنه حدث. وحتى لا يظن أحد أنني من منطلق مهني فقط أتعصب للصحفيين والمصورين، سأوضح أن المشكلة انتهت في وقتها، ودخل الجميع، لكنني أذكرها هنا لأقول إن هناك عقلية أخرى متناقضة تماماً مع عقلية وطموح الأمير، وهذا الموقف أحد تجليات هذه العقلية التي تحتاج أن تفهم أن «جازان» تحتاج للإعلام أكثر وأكبر من حاجته لها، وهذا مؤشر لضرورة أن يكون المقاولون والراغبون في الاستثمار، وقبلهم ومعهم الإعلاميون على اتصال مباشر مع الأمير إلى أن تصبح العقليات كلها في مسار الوعي والعمق الذي يرسمه محمد بن ناصر ويطبقه قولاً وفعلاً.
إلى المستثمرين والسائحين: (جازان).. ثروتان وعقليتان
Related Posts
جازان.. وردة الجنة الكبيرة
هذه سلسلة من الكتابات عن مدن ومناطق، عن الأهل، عن البحر وعن الحواف والأطراف، عن أكتاف الظهيرة.. لا أدري متى ستتوقف ولن تأخذ شكلًا محددًا، الأرقام فيها لا تعني شيئًا…
إلى أمير جازان «الفاتنة» وإلى المستثمرين والسائحين: ثروتان وعقليتان
عندما تصل إلى أرض «جازان»، فلست محتاجاً لأن تبحث عن الجمال، فالجمال يقتحمك من كل الجهات والأحاسيس، في وجوه الناس وكلماتهم ومشاعرهم واندفاعهم للترحيب والخدمة والإغراق في سلسبيل المودة والحب،…