

عندما يرد اسم “جازان” يتبادر إلى الذهن حواضر العلم والمعرفة وأسماء لامعة في العلوم الشرعية والعربية، وعندما يرد اسم “جازان” يتبادر الى الذهن ايضا الشعر و”النثر الأدبي” والحقيقة أن جازان هي جازان العلم والخير باعتبارها موئلاً للعلماء والشعراء ومكانا لذوات الخير التي أن أحسن استثمارها أصبحت تنافس المصادر الأخرى، فبينما كنت في زيارة لمنطقة جازان ورغم قصرها الشديد الا انني شعرت وكأنني اتحرك بين صفحات تاريخية ناصعة خاصة عند زيارة بعض مدنها التي كانت ولا تزال حواضر للعلم والمعرفة مثل ضمد وصبيا وابوعريش وجازان وفيفا وصامطة وغيرها، هذا المدن كانت ولا تزال تضخ العطاء العلمي من خلال ابنائها وتقدم نماذج متفردة في جوانب عديدة من العلوم والآداب. ولقد لمست أثناء مقابلتي الاخوة في منطقة جازان انها لا تزال نشطة علميا وان بها العديد من الناس الذين لا يتوقفون عن العمل والبحث الدؤوب والدراسة العلمية لموضوعات متعددة لها علاقة بالعلوم الشرعية والتاريخ والآثار والأدب، ولقد سعدت كثيرا بتلك النماذج التي تمتلئ بالنشاط والحيوية والبحث عن الجديد، والذي اسعدني اكثر هو انني عندما شاركت في دعوة للغداء وجدت ان الحديث في المجلس غني وثري وذو جاذبية ومفيد الى مستوى أن الانسان يكاد أن ينسى ان الهدف من الاجتماع هو الغداء وذلك بفضل البيئة الثقافية التي يتمتع بها الكثير من الناس في هذه المنطقة المهمة، ولاحظت كذلك ان مستوى النقاش والبحث عن الجديد هو سمة بارزة في ذلك اللقاء. إن تراث منطقة جازان الثقافي هو جزء اساس من تراث المملكة العربية السعودية وهناك حاجة ماسة للاعتناء به والمحافظة عليه، ولذا كان الحديث مع نخبة من أبناء المنطقة عبر دعوة كريمة من نادي جازان الأدبي حول هذا الجانب فرصة ثمينة لاستطلاع الآراء والمقترحات حول تحقيق المطلوب تجاه مصادر التاريخ والثقافة سواء أكانت وثائق او مخطوطات أو روايات شفوية أو حكايات.. أو عناصر تراثية مختلفة. وموقع منطقة جازان في التاريخ الحديث فضلا عن التاريخ القديم له ملامحه الواضحة وعناصره البارزة التي تدل على العمق والاثر والخصوصية التي انطبعت بها المنطقة بسبب ابنائها الحريصين على المعرفة والعلم، وكل هذا بلاشك بحاجة الى مزيد من الدراسة والتوثيق ضمن منظومة تاريخ المملكة العربية السعودية الشامل، وهو ما تقوم به دارة الملك عبدالعزيز من خلال مشروعها الوطني المتمثل في توثيق تاريخ مناطق المملكة وفق منظور شامل وواسع يتجاوز النظرة الاقليمية للمنطقة ويربط أجزاء التاريخ السعودي مع بعضه البعض. وتتميز منطقة جازان بجوانب أخرى من بينها تنوع الطبيعة والبيئة بشكل يجعلها منطقة مؤهلة للاستثمار السياحي والاقتصادي، ومن خلال الاطلاع على بعض جوانب ذلك التنوع يتبين ان هناك حاجة كبيرة لتطوير البنية الأساسية كي تتمكن من مواكبة التطلعات للاستفادة من ذلك التنوع الفريد الذي تتمتع به المنطقة. ولا شك ان الانسان وهو ينتقل من ساحل البحر الأحمر الى جبال فيفا والجبل الاسود وجزر فرسان وسهول جازان واودية جازان وضمد وصبيا وغيرها يجد أن الامكانات المتاحة عظيمة ولكن لم يتم استغلالها بالشكل المناسب حتى الآن واعلم ان هناك برامج وخططا كبيرة يشرف عليها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز امير المنطقة الذي جعل من اولويات اهتمامه استثمار ذلك التنوع والارتقاء بمستوى الخدمة في المنطقة لتكون عامل جذب ذاتي. وعندما تزور الفنادق والشقق المفروشة تجد انها مليئة بالسكان الزائرين والراغبين في الابتعاد عن الأجواء الباردة في منطقة عسير وهي قريبة جدا، فضلا عن الزوار من مناطق أخرى ومن خارج المملكة، ولكن تلك الفنادق والمواقع السكنية بحاجة الى زيادة وتطوير وتوفر بدائل كثيرة، ولا شكان ان الاهتمام الأخير الذي اتجه نحو المنطقة بفضل اهتمام صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني، وما نتج عن ذلك من عقد ندوات كبيرة ولقاءات اقتصادية في الرياض وجازان كل هذا وغيره سيؤدي باذن الله الى رسم برنامج متكامل لتطوير المنطقة وتفعيلها. واهالي المنطقة عليهم مسؤولية كبيرة تجاه التفاعل مع هذه البرامج والتعاون معها والمشاركة فيها، وعندما يلتقي هذا التنوع الرائع للطبيعة مع الثقافة والتاريخ الذي تتمتع به المنطقة فاننا سوف نشاهد قمة التلاحم بين العلم والخير لاجتذاب الناس واتاحة المجال امام استمتاعهم واستراحتهم بل واستفادتهم. واعتقد أن منطقة جازان بحاجة الى اقامة ملتقى سنوي ثقافي وتراثي خلال الشتاء يأخذ اسم احدى المدن القديمة بالمنطقة ليكون وسيلة للتفاعل مع الطبيعة يستفاد من نوع الطبيعة وحسن الأجواء والعمق التاريخي والثقافي لصياغة برنامج مناسب يتطور مع الوقت ليصبح اضافة جديدة في قائمة المنجزات الثقافية السعودية، وما ستقوم به الدارة بتوجيه من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز رئيس مجلس ادارتها نحو هذه المنطقة ضمن مشروعها الشامل لمناطق المملكة العربية السعودية سيكون له الاثر الكبير في تدعيم جوانب الثقافة والتراث والتاريخ في المنطقة.. فالدارة تسعى الى المحافظة على مصادر المنطقة التاريخية وتوثيقها وحفظها بالشكل المناسب وايجاد وحدة معلومات متخصصة في تاريخ المملكة بصفة عامة وتاريخ المنطقة بصفة خاصة في المنطقة ذاتها.. ومن خلال هذه الرؤية يمكن أن تحقق الدارة الهدف الاساسي من المشروع وهو توطين المعلومة التاريخية في المنطقة بعد المحافظة عليها ورعايتها.ومن هذا المنطلق فان الامل هو ان يتعاون الجميع من اهالي المنطقة لتمكين الدارة من المحافظة على ما لديهم من مصادر تاريخية وخدمتها وفق ما يليق بها.ومن خلال تفاعل جميع المؤسسات كل وفق أهدافها واختصاصها فان منطقة جازان سوف تكون مكانا لاندماج العلم مع السياحة بشكل جديد ومتميز ومن هنا فان جازان الخير والعلم مهمة جدا والاهتمام بها ضروري ومطلب وطني. واخيرا أود ان اشكر الأخ الزميل حجاب الحازمي رئيس نادي جازان الادبي واسرته الكريمة وخاصة ابنيه حسن ومحمد والدكتور أحمد البهكلي عميد كلية المعلمين بجازان والدكتور علي الصميلي والاستاذ عبدالرحمن الرفاعي وجميع من اسهم في تيسير امر زيارتي للمنطقة على ما قدموه من كرم وحسن وفادة وتفاعل رائع. ــــــــــــــــــــــــ المصدر : جريدة الرياض