

من منا لم يشاهد أو يسمع عن منتجعات سياحية عالمية ومنتزهات طبيعية تم تحسينها لتكون وجهات سياحية رائعة كتلك التي في سويسرا وشلالات نياقرا وغيرها من الوجهات السياحية .
هنا في الجنوب موقع خيالي لواد تحتضنه منطقة جازان والكل يجمع على أن من رأى وشاهد وحضر للموقع قد حضي بجمال وفتنة المنظر وروعة النسمات هناك
فأقل ما يقال عن هذا الموقع المتميز والفريد بأنه أعجوبة طبيعية نادرة نحتها الخالق وشقها بين جبال جازان في شكل خرافي يصعب وصفه
مع أذان الفجر يممنا وجهتنا صوب الوادي الواقع في حضن محافظة الريث شمال شرق منطقة جازان وبمسافة تصل إلى قرابة 120كلم منها 50كلم طريق جبلي وعر ومع بزوغ شمس الصباح وصل الفريق إلى مشارف محافظة الريث حيث تم التقاط ملامح الشروق بين أكمام الجبال ومشاهد القرود وهي تبحث عن بقايا طعام بين أغصان الأشجار أو ما تجود به النفايات هناك وكذا مشاهد قطعان الأغنام وهي تبكر للمراعي والجمال تسير وحيدة فريدة في ربوع غابات السدر المنتشرة في أودية محافظة الريث
وفي منتصف الرحلة إلى قلب الوادي استوقفتنا طبيعة الرجل الريثي ومحافظته على التراث والتقاليد من لباس تراثي ونباتات عطرية تعطر رأسه وبشاشة وابتسامة لا تفارق كل من تجده على طرقات مدينة الريث القابعة في قمم الجبال المسماة باسم هذه القبيلة
وكان لابد لنا من أخذ دليل الرحلة إلى قلب الوادي الغامض والجميل كما يصفه كل من زاره وكان لنا ما أردنا حيث كان رفيقنا المعلم علي بن جابر الريثي الذي تبرع بمركبته ذات الدفع الرباعي لتكون خير عون لنا في خوض غمار جولة غير اعتيادية لموقع يملأه الغموض والروعة.
وادي لجب
ويشير الأستاذ علي الريثي إلى أن للوادي أوصاف كثيرة بما فيها الحدائق المعلقة و الأخدود الجبلي وخندق الجمال والينابيع العذبة والخطر الجميل ولكل اسم مدلولاته فالجمال والعذوبة والروعة هي المناظر التي تشاهدها في وادي لجب والعذوبة والنقاء والبرودة هي ينابيع الوادي والخطر هو تحدي الوادي والخوض فيه في غير وقته
ويضيف المعلم علي بن جابر الريثي بان الوادي عبارة عن أخدود أو صدع انكساري في الطرف الشرقي من جبل القهر يبلغ طوله 11كم تقريبا من الشمال إلى الجنوب يتقابل بعد 3كم تقريبا من دخوله بصدع آخر طوله يزيد عن 2كم وترتفع حوافا الانكسار بشدة ويبدأ الطريق ضيقا ويستمر ضيقاً قرابة 4م ثم يبدأ يتسع تدريجيا إلا أنه لا يزيد في أقصى اتساع له عن 30م
فوادي لجب يقع بين جبلين عملاقين كأنهما جبل واحد وسط صخور صلبة قيل أنها من آثار البراكين في الأزمنة القديمة يشتهر هذا الوادي بمياهه الرقراقة وشلالاته العذبة الباردة والوفيرة بكمياتها الكبيرة ونباتاته الخضراء على جدران الجبلين
هذه المعجزة الإلهية تتمثل في تلك القطوع الصخرية العظيمة التي قد يزيد ارتفاعها على 500 متر
وادي لجب الذي هو في حقيقته انكسار في عدة طبقات صخرية يفصل جبال الريث العملاقة ( القهر وزهوان ) عند سفوح قاعدتها الجنوبية
الوادي الذي ما أن تدخله حتى تشعر بالخوف المشوب بالحذر وذلك لارتفاع جانبيه وضيق مجراه الذي تسلكه بعرض يتراوح في منعطفاته بين 4-6 أمتار وارتفاعاته الحادة من 300-800 متر وعندها لا تشاهد إلا ما يقابلك من السماء
بعد أن سمعنا عن هذه النبذة التعريفية للوادي كنا أكثر اشتياقا لرؤيته حقيقة وكان لنا ما أردنا بعد رحلة سير دامت قرابة 25 دقيقة من محافظة الريث إلى مدخل الوادي الصخري
توقفت أنظارنا تشاهد روعة المكان وتشاهد ذلك الصدع العظيم الذي جعل جبل القهر ينقسم إلى نصفين في جوفهما أشجار معلقة وينابيع تجري من تحت أقدامنا وطيور تشدو بأعذب الألحان وقردة نسمع همهماتها وهي بين الصخور
مدخل الوادي
ولعل المدخل فقط لا يوحي بان خلف هذا الوادي سوى حجارة مقفرة وهو لا يكاد يتسع في بعض جوانبه لمرور مركبة واحدة مع بعض آثار الكتابة التي يسجلها كل من زار الوادي كمنظر يشوه روعة المكان الذي رسمه الخالق ونحته في جبال القهر
ويصف الشيخ شعبان بن وجعان الريثي وادي لجب بأنه من أفضل الوديان الجميلة التي يقصده السواح من مختلف الأرجاء وهو ما اكسب محافظة الريث شهرة سياحية كون هذا الوادي يقع ضمن نطاقها
بعد توغلنا مسافة تقارب 200م بدأت علامات الوادي تبين في الأفق والأشجار والنخيل المعلقة مشاهدة أمام الأعين حقيقة لا مجاز
ولعل وصولنا لمواقع جريان الينابيع الباردة العذبة المذاق التي تصاحبك منذ دخول الوادي وعلى طوله الذي يصل إلى هذا النحو المتعرج إلى 7 كلم حتى يصب في وادي بيش العملاق
على الرغم من تعرج الوادي وضيقه الشديدين إلا أن جوانبه خضراء حيث تنبت الأشجار والأعشاب في الصخور وفي وسط هذا الارتفاع توجد الحدائق المعلقة على ارتفاع زاد عن 200 متر من الوادي ثم يعلوها ارتفاع آخر يصل إلى 400 متر مشكلاً بالفعل حديقة معلقة يصل ارتفاع أشجارها إلى أكثر من 10 أمتار وكثيرا ما نسمع عن حدائق بابل المعلقة وفي لجب نرى ذلك عيانا السيارات لا تستطيع تجاوز هذه المنطقة وهي مسافة ما يقارب 2 كم من مدخل الوادي بعدها يستوجب المشي على الأقدام حيث هذا الاتساع الظاهر هو المحطة الأخيرة للمركبات وهو متسع بعض الشيء ويفترق الوادي لليسار صعودا ولليمين أوله مستوي ثم يبدأ بالهبوط الشديد والوعر
عند المسير في وسط الوادي ترى عدة طبقات صخرية منها الجرانيت والرخام والبازلت والصخور المتحولة والنارية إضافة إلى العروق المعدنية الأخرى وما يسمى بصخور الخورم التي اتخذ منها النحل خلايا تسكنها ويملأها مما تفرزه بطونه من العسل السمة الغالبة على هذا الوادي الرائع أنه يستحيل حتى على إنسان هذه المنطقة الوصول إليه ومن خصائص الوادي أن الشمس تمر به مرور الكرام للحظات عابرة قليلة قبل أن تباغت الشمس بالغياب عن أعماق الوادي
بدأت الكاميرا برصد كل معالم الجمال في الوادي ومن جانبنا نأخذ أطراف الحديث مع كل زائر للوادي من أبناء المحافظة ومن خارجها الذين يتفقون كلهم على روعة المنظر وجمال الجو والنسمات العليلة التي رافقتنا حتى وصول الشمس إلى كبد السماء حيث تمر الشمس لساعتين تقريبا وبعدها تغادر المكان
والزائر للوادي المتعة في المغامرة والاستكشافات المتجددة لتشكيلاته الصخرية المتنوعة ويشدك فيه رؤية المياه العذبة والبرك الصغيرة والكبيرة المنتشرة على طوله بل والشلالات الكثيرة الصغيرة والكبيرة إضافة لصوت جريان الماء الجميل وهدير شلالاته القوية مما أعطته ميزة فريدة عن غيره
.
زوار أدمنوا على زيارة الوادي
أحد زوار الوادي يقول أهم شيء يجب دراسة خطورة الوادي على الزوار عند هطول الأمطار فالمدخل هو نفس المخرج وضيق جدا ولو جاء سيل والناس بالوادي لجرف الجميع لأنه مستحيل تسلق الجبل فلابد من وجود مكان يستطيع الناس اللجوء إليه إذا ما هطلت الأمطار ونزلت السيول بهذا الوادي
زائر أخر يقول سرت بهذا الوادي حتى تعبت فشاهدت أشياء بهذا الوادي الحديث عنها يملأ مجلدات من حيث الأشجار المتناثرة على جنبتي الوادي وكذلك الأشجار التي نبتت في الصخور وشلالات وصوت خرير الماء وكذلك عذوبة مياه الشلالات فهذا الوادي لازال بكراً لم يلمسه بشر بإصلاحات أو تمهيد ونطالب المسئولين عن السياحة في بلادنا بسرعة النظر إلى هذا الموقع وتحسينه والعمل على إزالة الصخور التي تعيق الزوار
ولعل زيارتنا المتكررة للوادي ورصدنا لعدد من سياح الخليج العربي جعلنا ندرك أن هذا الوادي هو بالفعل أعجوبة فريدة يبحث عنها هواة العجائب ومع مزيدا من الإعلام ومزيدا من الإرشاد السياحي سيعطي هذا الوادي حقه كوجهة سياحية بالدرجة الأولى لأودية جازان الفريدة بما فيها هذا الوادي .
استمرت رحلتنا حتى قرب ساعة العصر والتي تشير في قلب الوادي إلى انه لحظات الغروب حزمنا أمتعتنا من مذكرات وكاميرات ومفارش للخروج من هذا الموقع العجيب والفريد الذي لا تمل العين من رؤيته ولا يكاد يستطيع اللسان من وصف جماله إلا أن مشاهدة جمال الوادي أمتعنا كثيرا وجعلنا نشعر بأن إحدى عجائب الدنيا الطبيعية قد زرناها وعشنا أمتع اللحظات وأصعبها خلال زيارتنا لهذا الوادي .
…………………………
تقرير/ يحيى كليبي