كنا في يفاعتنا ننصت إلى مدرس الجغرافيا وهو يقول لنا بزهو: إن بلادنا تحتل المرتبة الاولى في احتياطي النفط في العالم، وكنا نحفظ تلك المعلومة عن ظهر قلب وندونها في أوراق الاجابات دون أن نعي ضخامة هذه المعلومة واهميتها  في حياتنا الاقتصادية وانعكاساتها على خطط التنمية.
وقد ساقني إلى نبش هذه المعلومة العتيقة حينما رحت اتصفح أغلب المعاجم الشعرية والموسوعات الأدبية، التي تترجم للشعراء والأدباء ؛ لافاجأ بأن منطقة جازان التي يعرّفها الاقتصاديون بأنها (سلة الخبز في السعودية)، قد حصلت على المركز الاول في انجاب الشعراء بنسبة متقدمة وبفارق كبير عن بقية المناطق في المملكة، وقد عزز هذه الدراسة، حضور كوكبة من فرسان الشعر الأصيل على المسرح الشعري المحلي في كافة تياراته ومدارسه ممن أنجبتهم هذه المنطقة.

وأذكر أني قد ذهبت في احد استطلاعاتي قبل ثمان سنوات، في أناقش هذه الظاهرة التي يدركها الباحث الرصين والمؤرخ الأمين، وكانت بعنوان “لماذا الشعر جازان؟” وأدركت من اجابات المشاركين معي في الاستطلاع أن هناك عوامل نفسية تتمثل في نقاء السريرة لدى أبناء المنطقة وعوامل اجتماعية وعاطفية تتمثل أيضاً في القلوب الرقيقة المطبوعة على حب الأرض وانسانها، إلى جانب عوامل طبيعية أودعها الخالق لهذه المنطقة تشكلت في جبالها الشامخة التي تداعب الغيوم وسهولها الخضراء التي تستقبل مزن الربيع وبحرها اللجب وجزرها الحالمة، كل تلك العوامل الهمت أبناء المنطقة نظم الشعر بالسليقة، وسكبت في حناجرهم رحيق القوافي واشعلت في أقلامهم كتابة القصيد المجوّد، فذهب لفيف منهم يتغنون بالشعر في مواسم الصيد والحصاد والعشق والفرح، حتى أضحى في كل بيت شاعر يدون بشعره نبضات ذلك البيت اليومية بأحاسيس صادقة، ولو أراد بعضهم أن يكون كل حديثه شعراً لما شق عليه كما كان يقول أبي العتاهية.

بل أزعم أن من أبرز العوامل المشكلة في نشأت الشاعر هي تلك الأغنية التي تندلق على مسامع كل شاعر من والدته وهي تحنو عليه لترضعه من حليبها الحب والحياة والقصيد وتأكيداً لهذه الرؤية التي لم أكن فيها محابياً وما استمع إليه عشاق القوافي مساء – يوم الثلاثاء الماضي – حيث انهمر علينا الشعر في ملتقى الشعر الذي نظمه نادي جازان الأدبي، حيث لا صوت يعلو على صوت الشعر الذي تغنى به أكثر من ثلاثين شاعراً أنجبتهم هذه الفاتنة “جازان”، فهنيئاً لنا بهذه الوّلادة للشعراء، وهنيئاً لنا بهذا المخزون الشعري الكبير.
ـــــــــــــــــــــــــــ
بقلم / محمد باوزير